هل تغذي أمريكا ذكاء الصين الاصطناعي؟

22:52 مساء
قراءة 3 دقائق

بول روسينزويغ *
نُقل عن فلاديمير لينين قوله ساخراً: «سيبيعنا الرأسماليون الحبل الذي سنشنقهم به»، وذلك لشدة تعطشهم للأرباح. واليوم، سواءً عن قصد أو غير قصد، تبيع شركات التكنولوجيا الأمريكية حبلاً إلى الصين في شكل نقل ملكية فكرية لم يسبق لها مثيل من قبل.

فقد ساهمت شركات مثل «مايكروسوفت» و«أبل» و«أمازون» في التطور السريع والملحوظ لقدرات الذكاء الاصطناعي في الصين، وكل ذلك على حساب المصالح والأمن الأمريكي. ولم تكن تداعيات ذلك أكثر وضوحاً من أي وقت مضى بعد المؤتمر العالمي للذكاء الاصطناعي الأخير في شنغهاي، الذي عرضت فيه «علي بابا» و«هواوي» أحدث تقنياتها ذات الصلة مع ترقيات لنماذج قديمة.

وتنخرط الولايات المتحدة والصين في منافسة شديدة المخاطر على ريادة الذكاء الاصطناعي مع تسارع التحول التكنولوجي للقوة السياسية والاقتصادية والعسكرية العالمية. وقد أعربت واشنطن عن قلقها البالغ بشأن برنامج الذكاء الاصطناعي لبكين والتهديد السيبراني المرافق. ومع ذلك، ورغم تصاعد حدة التوترات بين البلدين، ضاعفت العديد من الشركات الأمريكية استثماراتها الخاصة بالذكاء الاصطناعي في الصين.

فعلى سبيل المثال، كشف تقرير حديث، أن شركات التكنولوجيا ورجال الأعمال الأمريكيين، بما في ذلك الأذرع الاستثمارية لشركة «إنتل» و«كوالكوم»، ضخوا 40.2 مليار دولار في شركات الذكاء الاصطناعي الصينية بين عامي 2015 و2021. في الوقت نفسه، واصلت «أمازون ويب سيرفيسز» عمليات التوظيف في الصين، العام الماضي، لبناء قدرات الذكاء الاصطناعي، وذلك على الرغم من كلام رئيسها التنفيذي علناً بأن «الولايات المتحدة معرضة لخطر فقدان مركزها الريادي التكنولوجي لصالح الصين مع تقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي هناك».

كما دخلت «مايكروسوفت» في شراكة مع باحثين تابعين للجامعة الوطنية الصينية لتكنولوجيا الدفاع بشأن أبحاث الذكاء الاصطناعي التي يمكن استخدامها لأجهزة المراقبة والتتبع، وبررت الشركة الأمريكية، بأن هذه الأبحاث وُجدت لضمان الشفافية، بحيث يمكن للجميع الاستفادة منها.

وفي غضون ذلك، يُعد «مركز أبحاث مايكروسوفت آسيا» ومقره بكين، وهو أحد مراكز مايكروسوفت البحثية الأساسية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، «بذرة رأس المال» التي خرجت من رحمها كبرى شركات الذكاء الاصطناعي الصينية وآلاف الباحثين المدربين الذين يعملون داخلها اليوم. ومن بينها شركة «بايدو» وروبوت المحادثة خاصتها «إيرني»، وبالطبع العملاق «علي بابا» ومنصة المحادثة الذكية التابعة له «تونغيي كيانوين» المنافسة ل«تشات جي بي تي».

ولا تمثّل هذه المساعدات المقدمة إلى الصين مشكلة لشركات التكنولوجيا الأمريكية فحسب، بل يُنظر إليها، وعلى المدى البعيد، على أنها تطوير مباشر للمواهب التقنية المنافسة. فرغم أن العديد من الطلاب الصينيين الذين يدرسون علوم الذكاء الاصطناعي داخل الولايات المتحدة سيبقون فيها للعمل بعد التخرج، وهو ما يعود بالفائدة على اقتصادنا، فإن لدى الحكومة الصينية أكثر من 200 برنامج توظيف يعمل على جلب المواهب المحلية إلى البر الرئيسي، وبالتالي نحن أمام هجرة عكسية للذكاء الاصطناعي، وكل ما يتمتع به هؤلاء الطلبة من مهارات، من الولايات المتحدة مرة أخرى إلى الصين.

فعلى سبيل المثال، اتهمت وزارة العدل الأمريكية الشهر الماضي موظفاً سابقاً في شركة «أبل» بسرقة أسرار تجارية من قسم السيارات ذاتية القيادة بعد مغادرته منصبه والعمل لدى شركة أمريكية مملوكة لأخرى صينية. وبعد بحث السلطات هناك وتحرياتها، تبين أن الموظف حجز تذكرة ذهاب فقط إلى الصين وهرب في الليلة ذاتها.

ربما بدأت الشركات الأمريكية تدرك أخطاءها. وبدلاً من الاستمرار في «بيع الحبال» إلى الصين، باتوا يبحثون عن طريقة للتخفيف من تعرضهم للسوق الصينية. وبهذا الصدد، تتخذ «أبل» خطوات للتخلص من سلسلة التوريد الخاصة بها من الصين عبر زيادة التصنيع في الهند والولايات المتحدة نفسها، وكشفت مصادر «مايكروسوفت» مؤخراً، أن الشركة تسعى الآن إلى نقل كبار خبراء الذكاء الاصطناعي في الصين إلى معهد أبحاثها في فانكوفر.

ومن الواضح على ما يبدو أن هذه الإجراءات تمثّل اعترافاً ضمنياً هادئاً بمخاطر الشراكة مع الصين، من وجهة نظر أمريكية، لكنها تبقى خطوات قليلة جداً ومتأخرة. إذ تستمر الالتزامات والاستثمارات الأوسع في الصين في ترك كثير من الشركات الأمريكية في مأزق طويل الأجل، مع عدم وجود مسار واضح لخروجها من عباءة الدولة والمساعدات المحلية. في المقابل، تسعى شركات التكنولوجيا الأمريكية إلى تحقيق الأرباح مقابل تعريض الملكية الفكرية خاصتها، والقدرة التنافسية طويلة الأجل والريادة للخطر في مجال جديد ومهم من التكنولوجيا كالحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي.

وبالتالي، بالنسبة إلى كثير من المحللين، قد تم بيع الحبل بالفعل لصُنع المشنقة، ويبقى أن نرى ما إذا كان بإمكان هذه الشركات الهروب من جلّادها.

* أستاذ في كلية الحقوق بجامعة جورج واشنطن، ونائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق للسياسة.* (ذا هيل)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yeykmwfr

عن الكاتب

أستاذ في كلية الحقوق بجامعة جورج واشنطن، ونائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق للسياسة. (ذا هيل)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"