دردشة في الرأي العام

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

ما رأيك في شيء من الدعابة الاستقصائية في شؤون من قبيل الرأي العام والذوق العام؟ هذه المسمّيات التي لا سمات لها، تُخفي وراء أكمتها فخاخاً يقع في حبائلها الناس ولات حين مناص، فهيهات الخلاص.
معاذ الله أن يكون المقصود سوء قصد من خلال الإشارة من طرف خفيّ إلى قول أبي تمّام: «إن شئتَ أن يسودّ ظنّك كلّهُ.. فأجِلْهُ في هذا السواد الأعظمِ». كل ما في الأمر مجرّد استغراب واغتراب إلى حدود الاكتئاب، جرّاء واقع ما يسمّى الرأي العام، وحقيقة منظومة قيمه الظاهرة في مظاهره كالذوق العام. مهلاً إن كنت تستعجل الأمثلة. سوق الوجبات السريعة وما يصاحبها من مشروبات غازية، تقدّر بمئات مليارات الدولارات، فلا تقل شيئاً ودع الأطباء وخبراء التغذية يقولوا آراءهم في سلامتها التغذوية. ما الذي أوقع الرأي العام الرشيد، والذوق السليم في المصيدة؟
في فيلم «أضواء المسرح» (لايْملايْت) يقول تشارلي تشابلين عن الرأي العام: «عندما يكون الفيل بلا رأس، فإنك تستطيع أن تقوده إلى حيث شئت». هكذا حين يكون الرأي العام بلا رأي، بلا وعي ورشاد، وإلاّ فكيف تتحكم مجموعة من الخياطين، مع احترام دُور الأزياء، في أذواق المليارات؟ يضحكون من الذقون بتمزيق السراويل من قدّام ومن خلف، فإذا القيم الجماليّة الحضارية بنطلونات ممزّقة، بأسعار كأنها مرصّعة بالحجارة الكريمة.
ماذا يعني أن ينحدر الذوق العام من القمم الموسيقية التي بلغها هذا الفن في العقود القصبجية، الوهابية، السنباطية... إلى دركات لا «قرار» لها، ولا «جواب» عن أسئلة أسباب هبوطها؟ في الحقبة الكلثومية لم يكن للشبكة العنكبوتية وجود، ولم يكن العرب يقوّمون كوكب الشرق بعدد اللائكات واللائكين، ولا بالفساتين التي «تكسّر الدنيا»، ولكن العرب من الماء إلى الماء كانوا يخصصون سهرة الخميس الشهيرة من كل شهر لحفل السيدة.
 من المسؤول أو المسؤولون عن هذه الانهيارات الثقافية، عن رأي عام فيله بلا رأس، ويستطيع أيّ هبوط أن يقتاده إلى مهاوي السقوط؟ لماذا توارى عن مسرح الثقافة العربي، روّاد الآداب والفنون؟ في القطب الشمالي عندما تغيب الشمس ستة أشهر، تضيء المصابيح عدد النجم والحصى والتراب، فأين في سماء الثقافة العربية كل سراج وهّاج؟ أمِنْ دون أنوار وتنوير، بغير فلسفة وفكر و«زعماء» في الشعر والرواية والموسيقى والفنون التشكيلية، نرجو الخروج من الظلمات إلى النور؟ أبغير تطوير للتعليم، وبلا بحث علمي وعلوم وتقانة وتنمية شاملة، نأمل حجز مكانة للعالم العربي في موكب المدنيّة والحضارة؟ أبرأي لا رأي له غير الانخداع بالوجبات السريعة والسراويل الممزقة والرضا بالفنون الهابطة، يحقق العرب الأمن والأمان لحاضرهم وغدهم؟
لزوم ما يلزم: النتيجة المنطقية: من لا رأي له لا رؤية له.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2ec9b7az

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"