عادي

رياض سلامة إلى «القفص».. انتهت اللعبة

22:59 مساء
قراءة 4 دقائق

بيروت: رامي الكفوري

رياض سلامة الحاكم السابق لمصرف لبنان، الذي تربع على عرش السياسات المالية وهندساتها، وأمسك بزمام مصارفها التي دانت له بالولاء، بات في «القفص» يدور حول نفسه ويصفق بجناحيه دون أن يجد لنفسه منفذاً يتسلل منه... سلامة الذي نجح في إخفاء نفسه، ممتنعاً لمرتين عن تبلغ مذكرة قضائية تطلب منه المثول أمام الهيئة الاتهامية، تقدم محاموه بمذكرة مخاصمة ضد هذه الهيئة حتى لا تصدر قرارها الذي كان مرجحاً أن يقضي بتوقيفه يوم الثلاثاء الماضي.

هرب سلامة مؤقتاً من التوقيف، إذ رفعت هذه الهيئة يدها عن النظر في قضيته جراء مذكرته بمخاصمتها، إلا أنه سيجد نفسه مطوقاً بتدبير توقيفه وفقاً للقواعد القانونية، إذ يؤكد مصدر قضائي مطلع ل«الخليج» أن مذكرة توقيف ستصدر على الأرجح لسلامة، عاجلاً أو آجلاً، مهما تهرّب عبر استمهالات من محاميه. علماً أن الاستعجال بإحالة سلامة على الهيئة الاتهامية خلافاً لرأي القاضي شربل أبو سمرا، الذي كان يريد أن يأخذ التحقيق مع حاكم مصرف لبنان مداه الأقصى، كان وراءه رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر التي استأنفت قرار أبو سمرا وطلبت توقيف سلامة.

وقد راجت أخبار و«سيناريوهات» عن حمايات دولية مفترضة لحاكم مصرف لبنان السابق، ولكن تبين أنه لا وجود لهذه الأخبار و«السيناريوهات» إلا في مخيلات أصحابها، وفي روايات من يهوى التشويق و«السوسبنس»، فالرجل مشمول وعائلته وأقرب مساعديه بالعقوبات الأمريكية، وهو ملاحق من القضاءين الفرنسي والألماني، وقد سطر «الإنتربول» مذكرة بحقه، ولن يكون هناك مكان يأوي إليه إلا بلداناً معدودة وأبرزها البرازيل، ولكن كيف يمكن بلوغها دون جواز سفر، لأن جوازيه اللبناني والفرنسي مصادران، ومن المغامر الذي سيتولى تهريبه؟ إضافة إلى أن حساباته في المصارف، داخلياً وخارجياً، قد جمدت، وتم الحجز على ممتلكاته المنقولة وغير المنقولة.. إذاً هو مطوّق، وقد أُحكم الطوق حول عنقه وعنق عدد من أفراد عائلته، ومنهم شقيقه رجا ونجله، ومساعدته ماريان حويك.

بلا حماية

وفيما تلفّت سلامة حوله فرأى أن كل الذين وعدوه بالحماية والرعاية قد انفرط عقدهم تباعاً، إلا أن الضربة الأكثر إيلاماً، وفق متابعين مطلعين، جاءت من الولايات المتحدة التي طالما استند إلى دعمها لمواجهة خصومه ومعارضي سياسته المالية، وكأنه، وفق هؤلاء، لم يتعظ من دروس وعبر سابقة حصلت مع أمثاله، ومن هم أكثر أهمية منه في العالم، ممن ناموا على وسادة «واشنطن» الوثيرة ليستفيقوا في اليوم التالي ويكتشفوا أن الوسادة سُحبت من تحت رؤوسهم وهم يغطون في نوم عميق.

وعن سؤال: هل سلامة وحده المسؤول؟ يجيب هؤلاء المتابعون: إذا لم يكن رياض سلامة هو وحده المسؤول عما آلت إليه مالية البلاد، فإنه حتماً المسؤول الأول لكونه القيّم على السياسة النقدية، وكان باستطاعته أن يقول «لا» عندما يجد خللاً مؤذياً لخزانة الدولة، أو تدبيراً غير مقنع. على الأقل كان عليه أن يتمثل بسلوك الحاكم الأسبق لمصرف لبنان، الراحل أدمون نعيم، الذي رفض أن يوقع حوالة صرف طلبها منه الرئيس السابق إلياس الهراوي ووزير داخليته إلياس الخازن، متحملاً أعقاب بنادق عناصر قوى الأمن الداخلي الذين حاولوا انتزاع توقيعه بالعنف والترهيب. ويضيف هؤلاء: كان بادياً أيضاً أن «جمعية المصارف» لم تعارض سياساته ولم تبلغه رفضها إقراض الدولة، بل استعذبت «الهندسات المالية» التي ابتدعها، فارتاحت إليه وأطلقت عليه لقب «أيقونة النقد»، وأمطرته مع اتحادات مصارف عربية ودولية بحفلات التكريم والدروع التقديرية. ولم تشذ واشنطن عن القاعدة، فاستضافته على أرضها وفي نيويورك مُغدقة عليه التكريم والثناء!!

قرارات مشبوهة

طبعاً انطبق على سلامة المثل الشائع «عندما تقع البقرة يكثر السلاخون»، وتتوارد الأسئلة: من الذي أوقع البقرة؟ أم هي وقعت من تلقاء نفسها؟ هل كان سلامة يؤدي دوراً في إيصال لبنان إلى ما وصل إليه، وقطعت «ورقته» بمجرد إنجازه هذا الدور وهذه المهمة؟ على ماذا كان يراهن سلامة بدعمه الليرة على حساب الدولار من خلال بيعه ب1500 ليرة لبنانية، أي أقل بضعف ونصف من سعره الحقيقي؟ هل كان يعي أن سياسة رفع الفوائد على الليرة اللبنانية والدولار ستسرع الخطى نحو الانحدار؟ لماذا انقادت المصارف التي تحاول اليوم تبرئة ذمتها وتقديم الذرائع عن «عفتها» إلى لعبة الفوائد ومضت فيه حتى النهاية؟ لماذا سكت مصرف لبنان عن عمليات إخراج الودائع من لبنان من قبل مصارف ورجال أعمال ومال نافذين؟ لماذا مضى المصرف، بأمر من سلامة، في دعم المواد الأساسية والاستراتيجية ولو إن الحكومة طلبت ذلك.. ألم يكن الأجدى لسلامة أن يستقيل قبل أن يصل إلى هذه النهاية؟

إن مظلة حماية سلامة الدولية - المحلية أصبحت «مثقوبة» ولا يمكن منع تسرب المياه والهواء عبرها، وبالتالي فهي عديمة الفائدة. وعلى الرغم من كل المعطيات القانونية وخارطة الطريق الواضحة لحالة سلامة، فإن معلومات يجري تداولها ولم يتم التحقق منها بأن حاكم مصرف لبنان السابق يقيم في مكان «آمن ومحصن» في بيروت بانتظار قرار سياسي يتعلق بمصيره، وأن هناك مساعي لتعليق التحقيقات معه، وتجميد توقيفه! لا سيما أنه ساير الطبقة السياسية النهمة والفاسدة، وقدم لها خدمات جليلة على حساب الخزينة، وسكت عن تجاوزات المصارف، وأحاط نفسه بشبكة متداخلة من المؤسسات الصحفية والإعلامية، والصحفيين والإعلاميين الذين خاضوا حرباً شرسة لمصلحته في وجه معارضيه، وحرموا انتقاده، وهو ما أشار إليه تقرير «الفاريز» الذي أتى على ذكر البعض، بينما هناك أسماء العشرات الذين يُنتظر إماطة اللثام عنهم.. ويسأل كثيرون: هل تبدأ مسيرة لملمة الحطام مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لأن انتخابه سيستتبع تشكيل حكومة، واستكمال التعيينات بما فيها تسمية حاكم جديد ل«مصرف لبنان»، تبدأ معه مرحلة جديدة على طريق محاولة البناء على أسس مغايرة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3zbmvz74

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"