حلقات التقانة المترابطة

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل ثمّة شكّ في أن الإنسانية تمرّ بمرحلة انتقال حضاري، من حضارة إلى أخرى؟ بعبارة غير مألوفة، من عنديّات القلم، وعلى غرار الآداب والفنون: نحن في صميم الانتقال من مدرسة حضاريّة إلى أخرى، أو بتعبير المفكّرين والاجتماعيين: انتقال من نموذج فكري إلى آخر. لماذا هذا اللف والدوران؟ لأن التقانة كانت مساراً موازياً لمسارات، حلقةً ضمن حلقات، ميداناً بين ميادين، لكن، منذ ظهور تَسيُّد المعلوماتية واستئساد الحواسيب واجتياح الشبكة جميع المجالات بغير استثناء، ثم دخول الذكاء الاصطناعي إلى الساحة معلناً أن قوم الخوارزميات لا توسّط بينهم: «لنا الصدر دون العالمين أو القبرُ». هل لديك علمٌ بما يمكن أن يحدث من خوارق إذا شكّل الذكاء غير البيولوجي والحاسوب الكوانتومي حلفاً وعليه لمسة سحريّة من الذكاء البيولوجي؟
كان من الضروري الإسهاب في التقديم، حتى يدرك الذين لم يدركوا بعدُ، في الأوساط الثقافية العربية، أنه لا مجال لا الآن ولا مستقبلاً، للأبراج الفنية العاجية. سقط مفهوم أرخبيل الجزر في الثقافة والفنون. اليوم وفي مقبل السنين، لا يستطيع أهل الفن أن يبدعوا، أو حتى أن ينتجوا في الحدّ المقبول من الرسوم المتحركة، ومن الفن السابع، من دون برمجيّات متطورة، وتقانات رقمية حديثة وذكاء اصطناعي. 
ألا تَملّ الطاقات العربية الشابّة العيش رهينةً للمستعار؟ ألا تكفي قرون الاستعارة في البلاغة؟ يبدو أن قنوات الوعي العام تمديداتها مديدة، خشبية غير موصّلة، فعلى المناهج أن تستبدل بها قنوات من أشباه الموصّلات. إنما يتحقق ذلك ببناء المقرر الدراسي على أساس أن العلوم المتعددة التخصصات لم تكن شطحةً أكاديميةً، بل كانت حتميةً تقود إلى زوال الحواجز بين العلوم والتقانات، وربما في المدى البعيد تتجلّى الوحدة الاندماجية بينها. أليس أكبر مطمح لدى الفيزيائيين هو الوصول إلى نظرية الكلّ، التي تتحد فيها القوى الأربع؟ سبحان ربك ربّ العلم الواحد الأحد، علم الخلق.
ما يؤرق هو أن مناجم الثروات النفيسة في الأدمغة العربية لا تزال بتعبير أبي الطيّب: «ولكنْ معدنُ الذهب الرغامُ» (التراب). تأمّل مستوى الرسوم المتحركة العربية، فهل لها من حراك؟ كم يحتاج هذا اللون لكي يبلغ مستوى روائع والت ديزني؟ وماذا عن السينما؟ متى نستطيع مقارنة الأفلام العربية بأعمال من قبيل «أفاتار» و«أنترستلّار» (بين النجوم)؟ هل سنخدع أنفسنا بأن الفوارق مادّية ماليّة لا غير؟ لماذا لا تعترف أوساط المعنيّة بمأساة الأمّية التي هي الثقب الأسود الذي يبتلع ربع الأدمغة العربية؟ مأساة عدم ارتباط الفنون بالتعليم وبالتنمية بالبحث العلمي التطويري؟
لزوم ما يلزم: النتيجة اليقينية: رفقاً بالأوطان، فقد غدت شركات الإنتاج الفني معارض لانعدام المواهب.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y4xzkn2a

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"