عادي

المرأة تغير وجه التاريخ بدخول عالم الصحافة

00:10 صباحا
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

لم يكن من السهل على المرأة أن تدخل عالم الصحافة، وتثبت وجودها كذات فاعلة في العصر الحديث، إلى جانب الرجل، كما أنه لم يكن من السهل أن تؤسس المرأة الصحف النسائية، أو تدخل عالم الكتابة، الذي كان من المحرم عليها دخوله، فتطالب بحقوقها، إلا أن هناك عوامل وجهوداً إنسانية تضافرت مع بعضها، فأيقظتها، ووضعت لها بذور النهضة النسائية، ثم دعمتها، لتمضي قدماً على الطريق الذي رسمه لها الرواد الأوائل، لتواصل مسيرة التمدن والارتقاء.

تؤكد الدكتورة كوثر محمد مروان في كتابها «الصحافة النسائية في مصر من نهاية القرن التاسع عشر حتى مطلع القرن العشرين» أن دخول المرأة عام الصحافة، يعد نقلة نوعية في مسألة الإفصاح عن نفسها، بعد أن كان الرجل هو المتكلم عنها، والمفصح عن حقيقتها، لكن الرجل مهما عبر، فلن يكون صادقاً في تعبيره عنها، ولهذا كتبت مي زيادة إلى ملك حفني ناصف تدعوها إلى الاستقلال بإرادة نسائية قائلة: «علاتنا مستعصية لا يشفيها إلا طبيب يعرفها، والمرأة بعلة جنسها أدرى، فهي تستطيع معالجته».

تشير كوثر مروان إلى أن الصحافة النسائية في أرض مصر ولدت على أيدي الشاميات السوريات، اللاتي تعلمن وفقاً لنظم التعليم الأوروبية، بعد أن أتقن بعض اللغات الأجنبية، ونهلن من منابع الثقافة الغربية، ثم تولت النخبة نقل مظاهر التقدم والارتقاء عبر مجلاتهن النسائية، إلى المجتمع المصري النسائي، حاملات على عواتقهن إعادة تقسيم الأدوار بين المرأة والرجل، وإصلاح الخلل التراتبي الذي فرضته العادات والتقاليد الصارمة على المرأة، إلى جانب السعي من أجل النهوض بالمرأة، ودفعها إلى عجلة التقدم والارتقاء، لبناء مجتمع عصري جديد.

احتفت الأوساط الأدبية والصحفية بأول مجلة نسائية؛ وهي مجلة «الفتاة» التي صدرت عام 1892 لصاحبتها هند نوفل، وهي فتاة لبنانية، تعد أول عربية شامية، تحمل لواء الصحافة النسائية على أرض مصر بالإسكندرية، وتكون مجلتها أول مجلة نسائية بالوطن العربي، وبهذا تكون هند أم الصحفيات العربيات وعميدتهن، وأول رصاصة صحفية في معركة تحرير المرأة والمطالبة بحقوقها، ثم تبعتها بارونة الصحافة النسائية ورائدة من رائدات النهضة النسائية في مصر «ألكسندرة مليتادي أفيرينوه» صاحبة مجلة «أنيس الجليس» التي أنشأتها عام 1898 عندما وجدت الحاجة ماسة إلى مجلة نسائية، بعد أن أقفلت هند نوفل مجلتها، نظراً لظروف زواجها.

مسيرة إبداعية

كانت مجلة «أنيس الجليس» أكثر نضجاً وأوسع انتشاراً من سابقتها وهي المجلة النسائية الثانية التي ظهرت في الإسكندرية، وقال عنها مؤرخ الصحافة العربية فيليب طرازي: «نالت أنيس الجليس من الصيت البعيد ما لم تنله مجلة نسائية سواها قبل ذلك، وحسبنا برهاناً أنها كانت تقرأ في قصور السلاطين والملوك والأمراء والأعيان في جميع البلاد الشرقية».

اتخذت «ألكسندرة» من مجلتها منبراً حراً، للدفاع عن المرأة الشرقية، كما لعبت دوراً كبيراً في دفع بنات عصرها إلى دخول المدارس، والعمل على تثقيفهن ومساواتهن مع الرجل، ورسم طريق التقدم والخروج من المجتمع الحريمي وقيوده، إلى حياة التحرر واسترداد كرامة المرأة، وبدخول المرأة عالم الصحافة، تغير وجه التاريخ، وانقلب رأساً على عقب، لتتولى المرأة بنفسها صياغة مسيرة إبداعها، مع رائدات عصرها وصانعات مسيرة التقدم لتكون الأنوثة قيمة إيجابية مقابل الرجولة تماماً، بعد أن رأت الرائدات أن أفضل وسيلة لتوجيه الرأي العام إلى قضاياهن، وسماع صوتهن هي المجلات النسائية.

تعد الفترة التي ظهرت فيها «أنيس الجليس» أخصب فترة في تاريخنا الأدبي العربي الحديث، وهذه الفترة جديرة بالبحث والدراسة للوقوف على الدور الكبير الذي قام به أدباؤها وشعراؤها في إعادة الشعر العربي إلى التدفق في مجراه الأصيل، وبلغت أعداد المجلة 120 عدداً صدرت خلال عشر سنوات، ومن الصعوبات التي واجهت مؤلفة الكتاب، إخفاء بعض كاتبات وكتّاب المجلة وراء ظاهرة الأسماء المستعارة، ونسبة بعض المقالات إلى غير كاتباتها.

اتبعت المؤلفة المنهج الوصفي التحليلي التاريخي للظواهر، إلى جانب الاستعانة بمنهج النقد الثقافي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/444pksr2

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"