عادي

حقوق المريض.. إنسانية غير مسبوقة

21:55 مساء
قراءة 5 دقائق

القاهرة : بسيوني الحلواني
حقوق المرضى من الأمور التي أولاها الإسلام رعاية كاملة، فكفل لهم من الحقوق المادية والإنسانية ما يؤكد إنسانية هذا الدين الخاتم، وتفوقه على جميع الحضارات التي تتغنى بالإنسانية وهي ترتكب أبشع الجرائم ضد الإنسان صحيحاً كان أو مريضاً.

فكيف كفل الإسلام حقوق المرضى؟ وماذا قدم لهم من ضمانات لتوفير سبل العلاج اللازم لهم ودعم مشاعرهم الإنسانية وحماية أسرارهم من الذين يتلصصون عليهم أو يحاولون الإضرار بهم؟

الصورة

يؤكد د. نظير عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، أن الإسلام يكفل حقوقاً مثالية للمرضى ويوفر لهم الرعاية المادية والإنسانية، فالحقوق الشرعية للمريض في منظور الإسلام متنوعة وشاملة، تتضمن حقه في العلاج المناسب لحالته، وهذا الحق تتكفله الدولة إذا لم يكن له نظام تأمين صحي، أو لم يكن معه المال للإنفاق على علاجه، وهنا لا يجوز إهمال الفقراء وذوي الدخل المحدود غير القادرين على كُلف العلاج.

وعلى المستوى الإنساني، يؤكد د. عياد حرص الإسلام الشديد على دعم المرضى وتخفيف معاناتهم بجبر خواطرهم، ومن أهم وصايا الإسلام في هذا الشأن «عيادة المريض ومواساته؛ لإدخال السرور عليه وتخفيف الألم عنه»، ورتب الإسلام على ذلك عظيم الأجر والثواب؛ حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِماً غُدْوَةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الجَنَّةِ».

ويضيف أيضاً أن من حقوق المريض على المحيطين به ومعارفه وكل من يعلم بحاله، «الدعاء له بتعجيل الشفاء وتمام العافية»، فقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، كَانَ إِذَا أَتَى مَرِيضاً أَوْ أُتِيَ بِهِ، قَالَ: «أَذْهِبِ البَاسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَماً».

وهنا لا ينبغي للمريض أن ييأس من الشفاء، بل واجبه أن يظل متعلقاً بالأمل، وقد أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كل مريض بالتداوي وعدم اليأس، قال: يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، أَوْ قَالَ: دَوَاءً إِلَّا دَاءً وَاحِداً، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُوَ؟ قَالَ: الهَرَمُ.

ويوضح د. أسامة الأزهري الأستاذ بجامعة الأزهر، أن للمريض حقوقاً أهم كثيراً من مجرد عيادته والدعاء له، وتخفيف معاناته الإنسانية، سنة نبوية كريمة، وتتمثل تلك الحقوق في تقديم أفضل سبل الرعاية الصحية المتاحة لإنقاذ حياته وتخفيف آلامه، ويقول: زيارة المرضى والتخفيف عنهم والدعاء لهم (سنة نبوية كريمة)، لكن السعي الجاد لمن يتولون علاجه ورعايته لإنقاذ حياته وتحسين أحواله البدنية والنفسية وحماية أسراره «واجب إنساني ومهني لا يجوز التفريط فيه أو التهاون معه»، ولذلك يقر الإسلام عقوبة تعزيرية مشددة مع كل طبيب أو ممرض يتهاون في حقوق مريض، أو يفعل ما يشكّل خطراً على حياته.

وعن فضل عيادة المريض يقول د. أسامة الأزهري: لقد أوصانا رسولنا، صلى الله عليه وسلم، بعيادة المريض؛ حيث ينشغل بعض المسلمين أو كثير منهم عن هذا الواجب الإنساني الذي حث عليه الإسلام، لنشر ثقافة المشاركة الوجدانية بين الأصحاء والمرضى وأسرهم.

وقد بشرنا، صلى الله عليه وسلم، بأن هذا الإنسان رقيق المشاعر مرهف الحس الحريص على هذا الأدب الإسلامي الرفيع له أجر وثواب كبير عند الله، نتيجة حرصه على زيارة المرضى والاطمئنان عليهم والتخفيف عنه، فإن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع.

فهذا الحديث يؤكد لنا، كما يقول د. الأزهري، أن العائد للمريض يظل في روحانية الجنة وثمارها ونعيمها حتى تنتهي مدة الزيارة، وقد فسّر الرسول الخرفة في حديث آخر بقوله «جناها» أي ثمارها، وفي رواية مخرفة الجنة أي الطريق بين ثمارها، بحيث يتيسر للمسلم أن ينال من أي ثمار الجنة شاء، والمراد هنا رحمة الله وبركاته التي تتنزل على زائر المريض خلال الزيارة.

كما أخبرنا رسولنا الكريم، صلوات الله وسلامه عليه، بأن عائد المريض له مكان في الجنة، حيث يقول في حديث آخر: من عاد مريضاً ناداه منادٍ من السماء: طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً.

كما يرغبنا، صلوات الله وسلامه عليه، في عيادة المريض فيقول: إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: «يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، قال: يا رب، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده».

ولن يجد المسلم، كما يقول د. الأزهري، أروع ولا أبلغ من هذا التصوير لفضل عيادة المريض ومثوبته عند الله، حتى إن الله جل جلاله ليجعل عيادة المريض كأنما هي عيادة له.

وهذه التوجيهات النبوية الكريمة تدل على أهمية هذا الأدب الإسلامي، الذي رغّبنا فيه النبي، صلى الله عليه وسلم، فهو حق لكل مسلم على أخيه المسلم على وجه العموم، لكن هذا الحق الإنساني يتأكد إذا كان بين المسلم والمسلم صلة وثيقة مثل القرابة والمصاهرة والجوار والزمالة والأستاذية، ونحو ذلك مما يجعل لبعض الناس حقاً أوكد من غيره.

ولا يجد د. الأزهري حرجاً شرعياً في عيادة رجل لامرأة والعكس في ظل الالتزام بالضوابط الشرعية، ويقول: عيادة المريض بين الأهل والأقارب لا حرج فيها أن يقوم رجل بعيادة امرأة والعكس، لكن في كل الأحوال ينبغي الحرص على الآداب والأخلاق الإسلامية الضابطة لتلاقي الرجال بالنساء.

ويؤكد د. على عثمان شحاتة أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن واجب الطبيب المحافظة على مريضه، فللمريض في الإسلام أحكام خاصة، فقد خففت عنه شريعة الإسلام بعض التكاليف الشرعية، إما بالتخفيف أو التأجيل لوقت العافية، أو الإسقاط بكفارة أو بدون كفارة عند عدم القدرة على الأداء في الأمراض المزمنة وضيق ذات اليد.

ويقول: كل هذا يؤكد أن للمرض حالة خاصة، كما أن للمريض نظرة خاصة وتعاملاً يراعي مرضه، وقد أثبت القرآن الكريم للمريض هذه الخصوصية في قوله تعالى: «ليْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ».

ويشدد أستاذ الثقافة الإسلامية بالأزهر على أهمية الاهتمام بحقوق المريض النفسية، وأهمها حق الزيارة مع التخفيف قدر الإمكان حسب حالة المرض، ففي الحديث القدسي «إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقولُ يَومَ القِيامَةِ: يا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قالَ: يا رَبِّ، كيفَ أعُودُكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟! قالَ: أَمَا عَلِمْتَ أنَّ عَبْدِي فُلاناً مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ؟ أمَا عَلِمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟».

ويقول: الزيارة يستتبعها الدعاء له بالتخفيف عنه والدعاء برفع درجته عند الله، كذلك ببث الأمل والرجاء في عفو الله تعالى ومنّه عليه بالشفاء، فهو سبحانه الذي يرفع الضر ويشفي المرض بعفوه ومنّه وكرمه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3wx6vutb

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"