عادي

مطعم للأرامل في الموصل.. ينظف ما جنته يد الإرهاب

15:43 مساء
قراءة 4 دقائق
مطعم للأرامل في الموصل.. ينظف ما جنته يد الإرهاب
مطعم للأرامل في الموصل.. ينظف ما جنته يد الإرهاب

الموصل (أ ف ب)
تنهمك عبير جاسم في حشو الخضار في إطار عملها كطاهية ضمن فريق من النساء حصراً في مشغل للأطباق التقليدية في الموصل في شمال العراق، والذي يمنح الأمان المادي لها ولأطفالها الثلاثة اليتامى، وينظف ما جنته يد الإرهاب عن كواهل الأسرة العراقية.
وتأسس مشغل «مذاق الموصل»، حيث تعمل عبير، في عام 2017 حين وضعت الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي أوزارها، وهو يوظّف اليوم نحو 30 طاهيةً، وامرأتين في خدمة التوصيل، غالبيتهنّ أرامل أو مطلقات.
وفي مجتمع محافظ، شكّلت هذه المبادرة بارقة أمل للكثير من النساء في المدينة التي دمّرتها الحرب وأفقدت آلاف النساء أزواجهنّ.
وتقول عبير البالغة من العمر 37 عاماً: «عندما لا أعمل، لا نأكل ولا نشرب».
وتوفي زوجها خلال فترة سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مدينة الموصل جراء إصابته بمرض التهاب الكبد، عندما تحررت المدينة من قبضة التنظيم الإرهابي، عارضت عائلتها أن تعمل في مكان مختلط يوجد فيه رجال.
وتشرح لوكالة فرانس برس: «أنا أرملة وأمّ لثلاثة أطفال، ليس لدي مصدر دخل، لذلك أردت أن أعمل لكي لا أكون بحاجة إلى أحد».
في ذلك اليوم، كانت عبير تعدّ طبق الكبّة التقليدية على طريقة سكان مدينة الموصل المعروفة بتميّز مطبخها، وتتقاضى 15 ألف دينار (قرابة 11 دولاراً) في اليوم.
يسدّ هذا العمل احتياجات عبير، لكنه أيضاً يعطيها شعوراً بالاكتفاء.
بشغف تتحدّث عبير عن مطبخ المشغل، وتقول بابتسامة: «نحن نتميّز بأطباق مصلاوية تراثية مثل الدولمة والكبة، لا يستطيع أحد طبخها... فقط أهل الموصل يجيدونها».
إلى جانب عبير في المشغل القائم في منزل متواضع في أحد أحياء الموصل، تجمّعت نساء حول طاولات عدة، كلّ منهن تقوم بمهمّة، فيما صدح صوت المغنية اللبنانية فيروز في المكان.
تقوم إحداهنّ بلفّ ورق العنب وحشوه بالأرزّ واللحم، فيما تقطّع أخرى البطاطا، وتمدّ امرأة عجينة الكبة المحشوة بخليط من اللحم والبصل.

  •  «لتكون قوية»

في العراق، لا تزال مشاركة النساء في سوق العمل خجولة، لأسباب عدة أبرزها اجتماعية.
وبحسب مسح لمنظمة العمل الدولية نشرت نتائجه في يوليو/تموز 2022، «هناك قرابة 13 مليون امرأة في سن العمل» في العراق، «ومع ذلك هناك نحو مليون فقط يعملن».
ويشير المسح إلى أن «معدل مشاركة الإناث في القوى العاملة كان منخفضاً بشكل خاص، إذ بلغ 10.6% مقارنة بـ68% للذكور».
وخلّفت الحرب في الموصل التي انتهت في صيف عام 2017 الآلاف من «أرامل الحرب»، وفق تقديرات مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين.
وأشارت المفوضية حينها في مقال إلى أن «معظم الأزواج كانوا المعيلين الوحيدين لأسرهم»، مضيفةً أن «أرامل الموصل اللواتي يعشن دون دخل ولدى معظمهن أطفال من بين أكثر الفئات ضعفاً».
كان ذلك الوضع دافعاً أمام مهية يوسف الملقبّة بأم عماد، لتفتح مشغل «مذاق الموصل» للأكلات التقليدية، وتخلق فرص عمل للنساء اللواتي أصبحن دون معيل.
وتقول إن الهدف من المشروع خصوصاً «إخراج المرأة إلى سوق العمل» في مدينة مدمّرة واقتصادها متعثّر.
وتشرح مهية: «لنكن واقعيين، حتى أصحاب الشهادات لا عمل لديهم، لذلك فكرت أي عمل يناسب المرأة الموصلية حتى تعيل أطفالها وتكون قوية».
قبل ستّ سنوات، بدأ المشغل بعاملتين لكنه يضمّ الآن 30 امرأة، منهنّ أرامل أو مطلقات، وأخريات طالبات وخريجات جامعيات بحاجة إلى دخل.
وتشرح المرأة البالغة من العمر 58 عاماً والأمّ لخمسة أولاد أن «أكثر الأرامل اللواتي يعملن هنا فقدن أزواجهن في وقت الإرهاب، منهم من استشهد أو فُقد أو تعرّض إلى إعاقة».

  • «أكل بيت»

وتراوحت أسعار الأطباق بين دولار واحد وعشرة دولارات، أما الربح الشهري للمشغل فيناهز ثلاثة آلاف دولار وفق مهية يوسف التي تطمح إلى توسيع عملها، وافتتاح مشاغل مماثلة في المحافظات الأخرى، ومطعماً كبيراً تكون كلّ العاملات فيه من النساء.
وتفخر مهية بأن ما يميز أطباق مشغلها، «أننا نعمل حسب طلب الزبون». فالمكان له طابع خاص وشخصي ويقدّم كلّ ما تشتهر به الموصل من أطعمة، فضلاً عن «الأكلات الموصلية القديمة» مثل البرغل مع اللحم والهندية وهي كبّة مطبوخة مع الكوسا واللحم والتي لا تقدّم في المطاعم عادةً.
النساء العاملات في مشغل «مذاق الموصل»، لسن طباخات فقط، إذ تكسر مكارم عبدالرحمن الكثير من القيود الاجتماعية لتكون سائقة توصيل لأطعمة المشغل.
هي أرملةٌ وأمّ لولدين، فقدت زوجها في عام 2004 بعدما خطفه تنظيم القاعدة الإرهابي، وتقود مكارم البالغة 51 عاماً سيارتها لتوصل الطعام إلى الزبائن.
وتقول: «أفرح حين تأتيني طلبات وحين تطلبني العائلات بالاسم»، على الرغم من «الانتقادات» التي تتعرض لها في الوقت نفسه. وتقول «توجد تقاليد وقد يسألني بعض الناس لماذا أعمل ولماذا أعمل سائقة توصيل، وأتلقى انتقادات بالشارع، لكنني تخطيتها».
وتكمل: «أنا مصرّة على هذا العمل وأعتبره جزءاً من شخصيتي».
بعد كلّ هذه السنوات، بات للمشغل زبائن أوفياء، مثل طه غانم وهو صاحب مقهى في الموصل يطلب الطعام مرتين إلى ثلاث في الأسبوع من «مذاق الموصل» منذ اكتشف المكان قبل نحو ثلاث سنوات.
ويقول الشاب البالغ من العمر 28 عاماً والأب لطفلين «كوني صاحب عمل، أكون غالبية الوقت خارج البيت. لذلك أفتقد وأشتاق إلى أكل البيت، وهم وفروا لنا هذا الأمر».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5ffks4ya

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"