عادي

الصدقة الجارية.. عطاء لا ينقطع بالرحيل

22:54 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني

للصدقة الجارية فضل كبير وأجر عظيم عند الله عز وجل، وقد جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقدمة ثلاثة أعمال ينتفع بها الإنسان بعد رحيله، فقال في الحديث الصحيح: «إذا ماتَ ابنُ آدَمَ انقَطَعَ عَمَلُه إلَّا مِن ثَلاثٍ: صَدَقةٍ جارِيةٍ، أَو عِلمٍ يُنتَفَعُ به، أَو وَلَدٍ صالِحٍ يَدعُو لَه».

يؤكد د. نصر فريد واصل عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي مصر الأسبق أن الإسلام رغّب في الصدقة، وحث على الإنفاق في كل أنواع البر وأوجه الخير، فالصدقة أفضل أنواع العطاء الإنساني، ويقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم»، ويقول عز وجل: «وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ»، والصدقةُ قد تكون بالمال، وبغيره من أفعال الخير والبر، لقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ)، فالصدقة الجارية من أفضل الأعمال التي يتقرب بها الإنسان إلى خالقه سبحانه وتعالى، لأن أثرها يمتد بعد رحيله إلى أن يشاء الله، وقد تستفيد منها أجيال بعده، ولذلك صنفها رسول الله صلوات الله وسلامه عليه في مقدمة ما ينتفع به الإنسان بعد رحيله، وذلك ترغيباً فيها، وتحفيزاً للناس على الإقبال عليها.

الصورة

ويضيف: الصدقة التي يفعلها الإنسان حال حياته ليستمر نفعها في حياته وبعد مماته، مثل الوديعة الاستثمارية في البنك، طالما استمرت الوديعة استمر العائد.. هذا هو حال الصدقة الجارية التي يفعلها الإنسان في حياته قاصداً الأجر والثواب من الله وليس التفاخر والتباهي بها بين الناس.

ويوضح د. واصل الفرق بين الصدقة الجارية والصدقة العادية فيقول: الصدقة المالية نوعان: صدقة فورية، وصدقة جارية، والصدقة غير الجارية هي: «المال الذي يُعطَى للفقير، لينتفع به فقط من دون حبس أصله عليه، كإعطائه طعاماً، أو كسوة، أو مالاً ينفقه كيف شاء».. أما الصدقة الجارية فهي: ما يُحبَس فيها أصل المال ومنفعته أو منفعته فقط على شيء معين، بنية صرف الربح إلى المحتاجين وفي كافة وجوه الخير، وصورها كثيرة، منها: بناء المساجد، والمستشفيات، ودور العلم، والإنفاق على طلبته، ووقف محصول الأراضي الزراعية أو أرباح الأنشطة التجارية على جهة بر معينة.

وعن أفضلية أحدهما على الأخرى يقول مفتي مصر الأسبق: كل أنواع العطاء الخيري عليها أجر جزيل من الخالق سبحانه وتعالى وكل منها في محلها يتضاعف أجرها، ويرى بعض العلماء أن الصدقة الجارية أعظم أجراً، لتجدد ثوابها كلما انتفع الناس بها، فقد قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثلاث: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ».

أفضل مظاهر البر

وأشار د. حسن الصغير، أستاذ الشريعة الإسلامية والأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر إلى جواز إخراج صدقة جارية للميت، إذ إنها أفضل ما يفعله الأبناء البارون بآبائهم بعد رحيلهم من مال الميت، ونحن في أمسِّ الحاجة في هذا العصر إلى حث الأبناء على بر آبائهم أحياء أو أمواتاً.

ويقول: كل من يقدم على هذا العمل الطيب إنسان وفيٌّ وخيِّر، وسينال أجر ما فعل، ولن يحرم الميت من أجر وثواب.. لكن هناك أمر شرعي ينبغي أن يعلمه الجميع وهو أن المال الذي تركه الميت خرج عن ملكه، وصار ملكاً للورثة، ولذلك لو وجه كله أو بعضه لعمل الخير لا يطلق عليه اسم «الصدقة الجارية» ولا يناله ثواب ما يعمل بها بعده، اللهم إلا إذا كان الميت قد أوصى بذلك فيكون هذا من عمله.

وعن سلوك بعض المسلمين الذين يهملون الزكاة ويبادرون بالصدقات التطوعية أو الجارية يقول د. الصغير: الزكاة فريضة لا يجوز لمسلم أن يهملها أو يتقاعس عن أدائها، فهي فريضة عليه مثل: الصلاة، والصيام والحج، والصدقة - تطوعية كانت أم جارية - من أعمال البر التي لا يجوز إهمال الزكاة من أجلها، ولذلك لن يستفيد إنسان من صدقة وهو يهمل أو يتقاعس على أداء فريضة الزكاة، فالفرائض تؤدى أولاً.. ثم تأتي من بعدها النوافل أو السنن.

ويضم أستاذ الشريعة الإسلامية د. محمد نبيل غنايم صوته لصوت د. حسن الصغير، مؤكداً أنها تجعل مجتمعاتنا أكثر رحمة وإنسانية، ويؤكد ضرورة نشر الوعى بين المسلمين بأولويات الواجبات الدينية وفق ترتيب الخالق سبحانه وتعالى، ويقول: للأسف الأولويات الشرعية مفقودة في حياة كثير من الناس، فهناك من يتصدق ببعض ماله ظناً منه أن ما يخرجه للفقراء أو المتسولين يغني عن الزكاة المفروضة عليه، وهذا خطأ كبير يقع فيه كثير من الناس، وهؤلاء ننصحهم بأن يحرصوا أولاً على إخراج زكواتهم باعتبار ذلك فرضاً لازماً عليهم، ثم بعد ذلك يتصدقوا لو رغبوا في ذلك، فعدم إخراج الزكاة يستوجب الحساب والعقاب من الخالق، لأن الإنسان هنا فرط في أداء فريضة مطالب بها شرعاً، بينما لو زكى الإنسان ولم يتصدق لا يحاسب، وكل ما في الأمر أنه حرم نفسه من أجر الصدقة وهو أجر كبير وعظيم.

ويشدد على ضرورة الحرص على فريضة الزكاة، ونشر الوعي بأهميتها بين الناس، لأنها تسهم بشكل كبير في تحقيق الأمن والاستقرار لمجتمعاتنا الإسلامية.. فالزكاة فريضة دينية قادرة على خلق مجتمعات آمنة ومستقرة، تسود فيها مشاعر المحبة والتعاون والتكافل الاجتماعي.. أما الصدقات التطوعية فهي تسهم في مجتمعات أكثر رحمة وإنسانية، حيث يتزايد أعداد ضحايا الفقر والمرض والبطالة وغيرهم من المحتاجين إلى العطاء الإنساني الدائم ممن أنعم الله عليهم بخيراته، ورزقهم بنعمه، وأصبح من الواجب عليهم دينياً واجتماعياً وأخلاقياً مد يد العون والمساعدة للفئات الأكثر فقراً وحاجة، وما أكثرهم في عالمنا المعاصر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3ah53vn5

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"