عندما كلّمني جيمي ديمون

22:01 مساء
قراءة 4 دقائق

روبرت رايخ *

عندما ترتفع أسعار الفائدة بالسرعة التي رفعها بها بنك الاحتياطي الفيدرالي، يتعين على البنوك إما أن تدفع المزيد مقابل الودائع أو الاقتراض. لكن ما تكسبه تلك البنوك في المقابل من قروضها وسنداتها التي بحوزتها لم يرتفع بنفس الوتيرة تقريباً، ما يتسبب في ضغوط كبيرة عليها ويمهد الطريق لأزمة مصرفية جديدة.

قد لا يكون لدى المؤسسات المصرفية ما يكفي من رأس المال لمواجهة العاصفة الاقتصادية، وقد أظهر الفشل الوشيك الذي تعرضت له العديد من البنوك المتوسطة الحجم في شهر مارس/آذار الماضي، مدى هشاشة النظام المالي.

وعلى هذا فإن الهيئات التنظيمية للبنوك الحكومية، بقيادة مايكل بار، نائب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي المسؤول عن مراقبة السياسة المالية للبلاد، اقترحت تخصيص البنوك المزيد من رأس المال للتحوط من مخاطر الفشل المحتملة. ومن الواضح أن بار والفيدرالي كانا على حق في هذا. إذ إنه من الضروري توفير المزيد من رأس المال لتجنب أزمة مالية أخرى وصرف شيكات إنقاذ إضافية لدافعي الضرائب.

لكن عمالقة البنوك تعارض ذلك، بحجة أن تخصيص المزيد من رأس المال يعني سيولة أقل لإنجاز المعاملات، وبالتالي أرباحاً أقل. وبينما تواصل هذه البنوك جني أعلى المكاسب على رهاناتها، تعتمد على أموالك وأموالي المودعة عندها ليتم إنقاذها إذا ما واجهت أزمة ما. ولذلك، انتقد الرئيس التنفيذي لبنك «جيه بي مورغان تشيس»، جيمي ديمون، تحرك السلطات التنظيمية المشرفة على النظام المالي الأمريكي لزيادة متطلبات رأس المال، محذراً من أن ذلك قد يدفع المقرضين إلى الانسحاب وإعاقة النمو الاقتصادي.

في الواقع، من الممكن أن تقضي معارضة ديمون، الذي يتمتع بقدر كبير من النفوذ السلطوي، على الاقتراح. فالبنك الذي يترأسه هو الأكبر في الولايات المتحدة، وهو نفسه «المصرفي الأقل كراهية في أمريكا»، بحسب وصف صحيفة «نيويورك تايمز» له بعد الأزمة المالية عام 2008. وحتى وقت قريب، كان ديمون يترأس مجموعة «بزنس راوند تابل» التي تضم أقوى الرؤساء التنفيذيين في أمريكا، وهو دائم الظهور في المقابلات التلفزيونية وتتصدر أخباره عناوين الصحف، ولآرائه وزن كبير في «الكابيتول هيل». والأهم من ذلك أن «جيه بي مورغان تشيس» أكبر من أن يُسمَح له بالإفلاس، وإذا ما وقع ضحية أزمة مصرفية، سنضطر نحن دافعي الضرائب إلى إنقاذه.

في غضون ذلك، حثّ كل مشرع جمهوري في لجنة الخدمات المالية بمجلس النواب بنك الاحتياطي الفيدرالي على سحب الاقتراح. وأطلق معهد السياسات المصرفية، وهو مجموعة ضغط في وول ستريت، حملة إعلانية وطنية تحث الأمريكيين على «المطالبة بإجابات» بشأن الاقتراح الجديد. وتهدد مجموعات الضغط المالية الأخرى برفع دعاوى قضائية. لكن ما يقلقني حقاً هم الديمقراطيون، وجيمي بالطبع، من أهم جامعي التبرعات لهم في وول ستريت، ويتمتع بنفوذ كبير داخل الحزب.

في ربيع عام 2018، اتصل بي ديمون في مكتبي في بيركلي. وانتقدت علناً آنذاك البنك الذي يترأسه، ولم يكن مسروراً بالطبع. بل كان غاضباً لأني وجهت أصابع الاتهام بدرجة كبيرة إلى كبرى البنوك في الولايات المتحدة، والتي تتحكم بنسبة كبيرة من أصول البلاد.

لقد كنت محقاً في انتقادي. إذ تسيطر الآن أكبر خمسة بنوك في «وول ستريت»، بما فيها «جيه بي مورغان»، على أكثر من نصف أصول الصناعة المصرفية الأمريكية التي تبلغ قيمتها 15 تريليون دولار. ما يعني وضع قوة مالية وسياسية هائلة في أيدي عدد قليل جداً من الأشخاص والمؤسسات، ومن ضمنهم ديمون.

في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، عندما كانت الخدمات المصرفية محدودة، كان القطاع المالي يمثل 10 إلى 15% فقط من أرباح الشركات الأمريكية. ولكن إلغاء القيود التنظيمية جعل التمويل أكثر إثارة وربحية، وبات القطاع المالي الآن يمثل أكثر من 30% من أرباح الشركات. وهذا أكثر من ثلاثة أضعاف الأرباح المحققة في جميع الصناعات التحويلية في الولايات المتحدة.

ولم تكن حزمة القواعد التنظيمية التي وُضعت بعد الأزمة المالية عام 2008، ويُشار إليها باسم «دود-فرانك»، صارمة مثل القوانين واللوائح المصرفية في الثلاثينات. وقد نص القانون على خضوع البنوك لاختبارات الإجهاد من قبل الفيدرالي والاحتفاظ بحد أدنى معين من النقد في ميزانياتها العمومية للحماية من الصدمات، ولكنه لم يمنع البنوك من المقامرة بأموال مستثمريها.

فلماذا لم يذهب «دود- فرانك» إلى أبعد من ذلك؟ لأن جماعات الضغط في وول ستريت، برئاسة جيمي ديمون والمدعومة بتبرعات سخية للحملات الانتخابية من الشارع، لم ترغب في المزيد من القيود على الأرباح التي يمكن أن تجنيها.

ويبقى السؤال، في حال استمرار معارضة ديمون والتنفيذيين في كبار البنوك الأمريكية لضوابط رأس المال الأكثر صرامة، والتي تزيد من هشاشة النظام المصرفي، فمن الذي سيخسر وظائفه ومساكنه ومدخراته؟ إنهم الأمريكيون الفقراء والطبقات العاملة بكل تأكيد، لا المصرفيون.

* أستاذ السياسة العامة في جامعة كاليفورنيا في بيركلي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/sy2p4ksj

عن الكاتب

أستاذ السياسة العامة في جامعة كاليفورنيا في بيركلي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"