عادي
شخصية العام

إبراهيم الكوني.. الروائي المختلف

00:04 صباحا
قراءة 7 دقائق

الشارقة: عثمان حسن

باختيار هيئة الشارقة للكتاب الروائي الليبي إبراهيم الكوني، شخصية العام الثقافية لفعاليات الدورة ال42 من معرض الشارقة الدولي للكتاب، تقديراً لإسهاماته الكبيرة في تطوير وإثراء المشهد الثقافي والأدبي العربي والعالمي، وجهوده المقدرة في تصدير صوت الأديب العربي إلى العالم، تضيف الهيئة إنجازاً جديداً على مستوى تكريم القامات الثقافية والأدبية التي شكلت علامة فارقة في المشهد الثقافي العالمي.

يستحق الكوني هذا التكريم عن جدارة، فهو من رموز الحقل الثقافي والفكري، ذلك لأنه ربما يكون الكاتب الوحيد الذي عرف العالم من خلال أعماله الروائية والنثرية على فضاء الصحراء الذي رفض الكوني أن يعتبره مجرد خلاء، بل فيه ما فيه من الملاحم الشعرية والأسطورية التي يجب تمعنها والوقوف عندها.

انطلقت أعمال الكوني، لتضيف بعداً جديداً للرواية العربية من خلال تلك المناخات البعيدة التي لا تعرف المدينة، بالمعنى المادي للكلمة، وليسجل من خلال شخصياته الروائية، وهي شخصيات صحراوية بامتياز، سبقاً روائياً على مستوى العالم.

وميزة هذه الأعمال الأدبية التي أبدعها الكوني أنها تنطلق من فضاء ليبي خبره المؤلف فهو ابن تلك البيئة، حيث الواقع الليبي ذو امتدادات حيوية مع الصحراء التي تنفتح بحسب الكوني «على فضاءات ملهمة ومنفتحة على جوهر الكون ومتصالحة مع حتمية القدر الذي لا يرد».

استطاع الكوني أن يبهر العالم بهذه الأعمال القصصية والروائية التي انفتحت بحسب كثير من النقاد على كنز إنساني ومعرفي في حوض البحر الأبيض المتوسط، كما استحضر المؤلف من خلالها الكثير من ملامح الحياة في هذه الفضاءات الشاسعة، مبرزاً معتقداتها وآثارها السردية، ومنها الآثار الأدبية والشعرية، وفي بعض مما كتبه الكوني يقول: «إن الصحراوي مملوء بالأشجان والشعر. الشعر هو دموع العابر، وبدل أن نبكي محنتنا الوجودية نستجير به».

الرواية والأسطورة

وإبراهيم الكوني باتفاق الدارسين، هو واحد من رواد الرواية المعاصرة وقد تميزت أعماله بالاتكاء على الأسطورة، حيث ترى الباحثة د. سميرة بن زابة في كتابها «بنية الأسطورة في روايات الكوني» أن الكوني لم يكتف بالتعامل مع الرموز الأسطورية، بل ارتقى إلى التعامل بنمط الأسطورة فصاغ بذلك أساطير خاصة به».

وبهذا المعنى، فقد تبدل فضاء الصحراء في روايات الكوني، هذا الفضاء الذي بدا للآخرين جافاً ومتقشفاً، واستطاع الكوني بما يمتلكه من قدرة فنية عالية أن يحوله إلى عالم سردي بديع، تؤثثه لغة جمالية لا تعتني بوصف المظاهر الجمالية للمكان فحسب، وإنما ترصد الأبعاد الاجتماعية والثقافية لأصحاب المكان، وهم شعب الطوارق، حيث الطوارق في أعماله يمثلون نموذجاً إنسانياً متفرداً استطاع التعايش مع عالم جغرافي يتصف بالقسوة والحرمان.

عالم مختلف

في رواية «المجوس» لإبراهيم الكوني، يصوغ المؤلف عالماً من الفكر الأسطوري الملحمي عن الحياة في الصحراء، وهذا العمل الأدبي يطرح أسئلة عن معنى الوجود والمغامرة الإنسانية والمصير والسلطة والحضارة، ومن حيث الأسلوب الفني البديع الذي عرف به الكوني، حضر الطوارق في هذا العمل بمثابة مادة قصصية تخييلية آسرة. وقد حازت الرواية جائزة اللجنة العليا للآداب من قبل الحكومة الفيدرالية السويسرية. وصنفت في المركز الحادي عشر في قائمة أفضل مئة رواية عربية. كما عُدت «المجوس» بحسب أمهر أساتذة النقد العالمي، عملاً مرجعياً، في حين اعتبرها النقد العربي العمل المركزي في سيرة إبراهيم الكوني الروائية، وكانت الأولى التي قلبت نظرية جورج لوكاتش عن الرواية كعمل مديني لتنهض على أنقاضها الرواية الصحراوية، بما فيها من مؤهلات ثرية رمزية ووجودية وغيبية وتاريخية وأنثروبولوجية.

الروح البشرية

ويواصل الكوني نثره الروائي ليبدع في مطلع التسعينات رواية شكلت بدورها علامة فارقة أسست لنموذج روائي متصاعد ومبهر حين صدر له «نزيف الحجر» في عام 1990 وناقش الكوني فيها الكثير من القضايا البيئية، والحياة الصحراوية التقليدية، وقوة الروح البشرية. كما تناول فكرة الصراع المستمر بين الخير والشر، وكتب عن هذه الرواية إنها تناقش موضوعاتها باستخدام أفكار من علم وظائف الأعضاء، والدين، والعواطف.

حازت هذه الرواية شعبية جارفة عند القراء، وأيضاً المؤسسات الثقافية والإعلامية في العالم، فقد أدرجتها صحيفة الغارديان البريطانية، كواحدة من أفضل الكتب عن ليبيا. ووصفتها مراجعات «كيركوس»، وهي مجلة أدبية أمريكية نصف شهرية، بأنها «مزيج ناجح من الحكاية والبيان السياسي والرثاء الغنائي للماضي».

أما في رواية «أخبار الطوفان الثاني» التي كتبها الكوني بلغة ذات تفاصيل فنية وجمالية، فهي أيضاً عمل يمزج بين الأسطورة والتاريخ، وقدمت ملحمة سردية في بناء روائي بشحنة من الأسرار والدلالات الرمزية، وطقوس الطهارة، حيث يقوم الماء بتطهير الأرض من الظلمة والأشرار، ولا شك في أن الأسطورة في هذه الرواية قد استثمرت الطوفان الأول، حيث ينفجر غطاء الأسمنت لتطوق واحة (ادرار) بمن فيها، فيما تنجو القبيلة بفضل حكمة زعيمها، بعد أن تطهرت من عبودية المكان وملكية الأشياء.

الأمهري الأبلق

في عمل مفاجىء لإبراهيم الكوني كان القارئ العربي على موعد مع رواية «التبر»، وبطلها جمل أمهري أبلق بالغ الجمال، وفي الرواية يجول القارئ مع عوالم غامضة وسرديات عن العشب والحياة والحيوانات، فضلاً عن مبارزات الوفاء والنبل، وثنائيات الغدر والخيانة في مقابل الوفاء والنبل، كل هذا في فضاء صحراوي طوارقي، مفعم بالحياة والبحث عن الجوهر من خلال شخصيات عدة، تروي ملاحم بطولية وتراث فائض بالفخر والمجد.

اعتبرت «التبر» الرواية العربية الوحيدة التي يحظى فيها حيوان أعجم هو «الأمهري الأبلق» بكونه بطلاً رئيسياً لا يقل تأثيره في مسار الأحداث عن شخصيات الرواية الأخرى، وقد فازت الرواية بجائزة اللجنة اليابانية للترجمة عام 1997.

والرواية بحسب ما كتب عنها، تركز على موضوعين أثيرين لدى الكوني: الخطيئة والحرية، والخطيئة هنا، تتجاوز المعنى الجنسي المباشر لعلاقة الذكر بالأنثى، إنها أقرب إلى المعنى الصوفي، حيث الخطيئة هي ارتهان قلب الإنسان لعلائق الدنيا كافة: الأب، الزوجة، الولد، الصديق، الزعامة والمال.

رباعية الخسوف

في رواية «البئر»، وهي الجزء الأول من رباعية الخسوف، يبرع الكوني في توظيف التراث في النصوص الإبداعية، ولكنه أيضاً من تراث تلك البيئة الصحراوية، وأبطالها الطوارق، وقد استرعت هذه الرواية انتباه الكثير من الباحثين والنقاد العرب، حيث صدر للباحثة الجزائرية سكينة زواغي كتاب بعنوان «توظيف التراث في رواية البئر لإبراهيم الكوني»، في عام 2021، مبتدئة بتوطئة عن تميز الروايات العربية في توظيف التراث في النصوص الإبداعية، وهو منطق يخرج عن مألوف الرواية الغربية، لكنه في رواية البئر تراث خاص جداً بالطوارق، ومن خلال ملحمة تمزج الحاضر بالأسطورة، حيث حققت الرواية المعادلة الصعبة بين الأصالة والمعاصرة، في رؤية تسائل التاريخ وتمسح زمناً يقارب القرن بمنظار مكبّر، وبرؤية فكرية واسعة، لتضع كاتبها بين أهم الروائيين العرب المعاصرين.

رأس الحكمة

في كتاب الكوني «أسطورة حب إلى سويسرا.. رأس الحكمة»، وصدر في عام 2003، يجد القارئ نفسه مشدوداً لسرد فريد يذكّر بمؤلفات الصوفية، ولكنه مكتوب بنزعة فلسفية، والكتاب يمثل دعوة للإيمان بالقيم المطلقة، والتسامح، والوحدة، والغفران، طالما أن الأديان مظاهر مختلفة لجوهر ربوبي واحد.

أما في كتابه «الصحف الأولى.. أساطير ومتون» 2004، الذي بدأه بمفتتح يقول: «في البدء كان البحر شاملاً، مهجوراً، وحيداً، لم يكن البحر في البدء شاملاً، مهجوراً فحسب، ولكنه كان مهموماً كئيباً، يعاني حنيناً مجهولاً، وقد استمرت وحشته هذه أزمانا لا حساب لها إلا بمنطق الأبدية».

وقد كُتب عن هذا المؤلف أنه عبارة عن مزيج من خيالات وأحاسيس ومعان يتدفق تشكيلات حروف وسيالات عبارات لا يستطيع المرء حيالها سوى التأمل ملياً، بإبداع ذلك الكاتب الذي يتجاوز حد المألوف في المقروء والمفهوم والمنسوج في عالم الأدب القصصي والروائي.

نقد

تفاعلت ذائقة النقد العربي مع مؤلفات إبراهيم الكوني على نحو غير مألوف، وقد اتفقت معظم هذه الآراء على أن الكوني شكّل ظاهرة فريدة في متن السرد القصصي والروائي، خاصة أن معظم نتاجه الأدبي يدور حول تصوير جوهر العلاقة التي تربط الإنسان بالطبيعة الصحراوية، ومفرداتها، وعالمها المحكوم بالحتمية.. وفي هذا السياق يكتب الباحث الدكتور ضرار بني ياسين عن الثنائية المشهورة في روايات الكوني خاصة في «نزيف الحجر« و«التبر»، مؤكداً أن هذه الثنائية تلخص رؤية إبراهيم الكوني الوجودية عبر سرده للعلاقة بين الإنسان والحيوان، وتجليها في عالم الصحراء وفضائه المفتوح على الأفق المجهول، من جهة أخرى، فإن ما قدمه الكوني في معظم أعماله يمثل العناصر الأولى لدراسة أنثروبولوجيا الصحراء.

ضوء

ولد إبراهيم الكوني في مدينة غدامس الليبية، عام 1948، وحصل على الليسانس والماجستير في الآداب والنقد من معهد غوركي في موسكو عام 1977.

عمل الكوني في وظائف صحفية ودبلوماسية عدة، حيث كان مستشاراً دبلوماسياً في السفارات الليبية في روسيا وبولندا وسويسرا، وتولى رئاسة تحرير مجلة الصداقة الليبية البولندية، وكان مراسلاً لوكالة الأنباء الليبية في موسكو، ومندوباً لجمعية الصداقة الليبية البولندية، كما تولى منصباً في وزارة الشؤون الاجتماعية في سبها، ثم وزارة الإعلام والثقافة.

رشح الكوني عدة مرات لنيل جائزة نوبل للآداب، وحصل على عشرات الجوائز العربية والعالمية، أهمها جائزة الدولة السويسرية في عامي 1995 و2001، ووسام الفروسية الفرنسية للفنون عام 2006، وجائزة الشيخ زايد للكتاب دورة 2007-2008، وجائزة ملتقى القاهرة الدولي الخامس للإبداع الروائي العربي 2010، وجائزة مونديللو العالمية للآداب / إيطاليا 2009، كما وصل إلى القائمة القصيرة لجائزة المان بوكر الدولية في 2015، وجائزة الترجمة الوطنية الأمريكية في 2015، وجائزة الزمالة العالمية، جامعة لويس الإيطالية 2023.

وأشادت بالكوني أوساط ثقافية ونقدية وأكاديمية ورسمية، في أوروبا وأمريكا واليابان، ثبت السويسريون اسمه في كتاب يخلد أبرز الشخصيات التي تقيم على أراضيهم، وهو الكاتب الوحيد من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بل الوحيد من العالم الثالث في هذا الكتاب.

وكان أول أجنبي يجري اختياره عضو شرف ضمن وفد يرأسه الرئيس السويسري سنة 1998 عندما كانت سويسرا ضيف شرف معرض فرانكفورت الدولي للكتاب في اليوبيل الخمسين، وقد ترجمت كتبه إلى 40 من لغات العالم الحية، كما تدرس رواياته في جامعات عدة: جامعة السوربون، جامعة طوكيو، جامعة جورج تاون، وتعتمد كمادة مرجعية للدراسات البحثية لنيل الدرجات العلمية.
مؤلفات

ألف الكوني أكثر من 80 كتاباً تجاوزت الرواية والقصص إلى المقالات والدراسات الأدبية والنقدية واللغوية والتاريخ والسياسة، وقد اختارته مجلة «لير» الفرنسية أحد أبرز 50 روائياً عالمياً معاصراً، ومن أبرز أعماله في مجال الرواية نذكر: رباعية الخسوف وتتألف من 4 أجزاء (البئر، الواحة، أخبار الطوفان الثاني، نداء الوقواق) المجوس في جزأين: التبر، نزيف الحجر، عشب الليل، الدمية، الناموس، السحرة، عشب الليل، وغيرها الكثير.

وفي مجال القصة والنصوص كتب الكوني: جرعة من دم، شجرة الرتم، القفص، ديوان النثر البري، وطن الرؤى السماوية، صحرائي الكبرى، وصايا الزمان، ديوان البر والبحر، نزيف الروح، أبيات، رسالة الروح، وغيرها الكثير.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3kh2htnd

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"