عادي
جريمة بُنيت سينمائياً على ركائز غير متينة

«زواحف»..الشك طريق إلى اليقين

23:46 مساء
قراءة 5 دقائق
«زواحف»..الشك طريق إلى اليقين
«زواحف»..الشك طريق إلى اليقين
«زواحف»..الشك طريق إلى اليقين

مارلين سلوم
حين تشعر بأنك تشاهد فيلماً جيداً، تتحمس لفكرته ولأداء ممثليه، خصوصاً أنه من نوع الجريمة الجامع ما بين الأجواء البوليسية والرعب، لكن التمنّي يبقى رفيق مشاعرك وال«لو» لا تفارقك، وتدرك أنك أمام عمل بُني على ركائز غير متينة، وحلّق بجناح القصة، بينما بقي الجناح الآخر، «التنفيذ» أو الإخراج، ضعيفاً، يعجز عن الارتقاء بالعمل ككل، إلى مستوى النجاح المطلق، والتميز على الشاشة. فيلم «ريبتايل» أي «زواحف» المعروض حديثاً على شاشة «نتفليكس»، من هذه النوعية التي تبقي ال«لو» ترافقك طوال مدة عرضه والممتدة إلى أكثر من ساعتين قليلاً، بل يمكن القول إن الفضول، ورغبتك في اكتشاف لغز الجريمة، واكتشاف المجرم، هي التي تدفعك للجلوس أمام الفيلم حتى تتر النهاية

فيلم «الزواحف»، يبدأ أحداثه بشكل نمطي لأفلام الجريمة، نتعرف إلى الشخصيات بمقدمة بسيطة، المخرج جرانت سينجر (في أول فيلم روائي طويل له)، يمشي وفق التسلسل الروتيني، أو التقليدي للقصة، نتعرف إلى الشخصيات، تحدث الجريمة، نبدأ بالشك في كل الظاهرين على الشاشة، تطبيقاً لنظرية الفيلسوف ديكارت «الشك طريق ملكي إلى اليقين»، وبعدها نبدأ باكتشاف الخيوط التي توصلنا إلى الاستنتاج ثم الحل.. المخرج لا يستخدم أي تقنيات حديثة، لا فلاش باك، أو قفز من مرحلة زمنية إلى أخرى بعيدة، باستثناء مشهد، أو مشهدين فقط، نعود بهما إلى واقعة محددة تكشف لغزاً من ألغاز القضية.

ويل جرادي (جاستن تيمبرليك) يعمل مع حبيبته سمر (ماتيلدا لوتز)، في بيع العقارات في سكاربورو، يختاران دائماً المنازل الفخمة والتاريخية القديمة وباهظة الثمن، بمباركة «عرّابة» هذه الصفقات التجارية كاميل، والدة ويل (فرانسيس فيشر)، لكن يبدو أن هناك مشاكل لا نعرف سببها، بين ويل وسمر، حيث لا نرى من العلاقة سوى أنها باردة، ونظرات سمر غريبة.. ينتقلان إلى المنزل الجديد الذي وضعا إعلاناً لبيعه، وتتلقى سمر اتصالاً هاتفياً فتعطي للمتصل (الذي لا نراه ولا نسمعه ولا نعرف حتى اسمه)، موعداً في هذا البيت، بينما نرى ويل مشغولاً مع عملاء آخرين بعيداً عن البيت؛ ثم يتلقى رسالة نصية على هاتفه من سمر تطلب منه الحضور إلى المنزل؛ يصطحب معه أحد الزبائن، يتركه في سيارته، ويدخل ليجدها مقتولة بطريقة وحشية.

يحضر إلى موقع الجريمة المحقق توم نيكولز (بنيسيو ديل تورو)، وشريكه دان كليري (آتو إيساندوه)، تبدو الجريمة البشعة متشعبة تؤدي بالضرورة إلى اتساع دائرة المشتبه فيهم، هنا يتعمد المؤلفون ديل تورو نفسه ومعه المخرج سينجر وبنجامين بروير، دفع الجمهور للشك في معظم الشخصيات، بمن فيهم زوجة توم جودي (أليسيا سيلفرستون)، بل يشكك في المحقق توم أيضاً، بسبب مشهد تحسبه دليلاً واضحاً على تورطه، حيث يأتي إلى موقع الجريمة والكل يستغرب كف يده المربوط بلفافة من قماش، وكلما سألوه يخبرهم أنه أصيب بجرح عميق حين كان يساعد زوجته في إعداد الطعام في المطبخ، ولأنك لم تعرف بعد أي معلومة عن الشخصيات وعلاقتها ببعضها بعضاً، تبدأ بجمع الملاحظات سعياً وراء الحقيقة.

المشتبه فيهم كثر، وأولهم سام (كارل غلوسمان)، زوج سمر السابق، وإيلاي فيليبس (مايكل بيت)، غريب الأطوار، والذي يظهر خلال تحقيق الشرطة في مكان الجريمة، ويرمي توم بنظرات غريبة، ثم يختفي، ويظهر في أوقات محددة، ويقتحم منزل آل جرادي ليجعلك المخرج تضعه على رأس قائمة المتهمين، بينما أنت- وبحكم كثرة مشاهداتك لهذه النوعية من الأفلام، ولأن المخرج كلاسيكي ونمطي في أفكاره، تستبعد كل من يبدو في ظاهره غريب الأطوار، مثل فيليبس، رغم أن له أسبابه المنطقية التي تدفعه إلى ارتكاب هذه الجريمة، فوالده توفي بسبب آل جرادي الذين نصبوا عليه، وتسببوا بإفلاسه.

روبرت ألين (إريك بوغوسيان)، رئيس توم في الشرطة، يكتشف أنه يعاني من مرض التصلب العصبي المتعدد، تربطه صداقة وقرابة أسريّة متينة بتوم، وزوجته جودي؛ يعمل طوال الوقت على متابعة تطورات القضية من توم، إلى أن يعرف هذا الأخير أن سام يتاجر بالمخدرات، فيقتحم منزله برفقة زميله دان، وتحصل معركة يطلق خلالها دان الرصاص على الشرطيين فيرد عليه توم بطلقة تودي بحياته، ما يدفع ألين إلى التصرف بسرعة والطلب من توم التخلي عن القضية واعتبارها مغلقة بما أن المتهم الأول قد توفي.

طبعاً يرضخ توم، لكنه في قرارة نفسه يبقى غير مقتنع، وبداخله إحساس بأن حقيقة ما، لا تزال مخفية، وعليه تتبع آثار الدلائل البسيطة كي يصل إلى الحقيقة المطلقة، ويرضي ضميره، لكن في السر، ومن دون إبلاغ أحد، حتى شريكه في هذه القضية؛ يستخدم ديل تورو براعته في الأداء بنظراته وملامح وجهه، وبعض المشاهد لا تحتاج إلى الكلام فنظراته تقول وتشرح كل المعاني. هو أقوى الممثلين أداء في هذا العمل، سلس جداً، غير متكلّف في أداء دور الشرطي الباحث عن الحقيقة، إنما بهدوء، لأنه لا يسعى إلى الشهرة وافتعال الضجة، يحلل ويفكر ويتصرف حتى مع أقرب الناس إليه، وعند اكتشافه للحقيقة الصادمة يتحلى بالحكمة قبل المواجهة، وديل تورو يجيد هذا النوع من الأداء، لدرجة أنك تشعر بأنه أقوى من الفيلم، وكان يستحق التعامل مع مخرج قوي يرفع من مستوى التشويق، ويسرّع إيقاع الأحداث حتى تكتمل عناصر النجاح، خصوصاً أن المخرج ختم الفيلم بلقطة باهتة، بعد مشهد تشويق قوي ومواجهة عنيفة بدأنا نربط فيها كل الخيوط وكانت تحتاج إلى العنصر الرئيسي في هذه العملية التي شارك فيها أكثر من طرف، فجاء الختام صادماً، بل ربما غريباً وساذجاً.

في المقابل، يقدم جاستن تيمبرليك دوراً جيداً، خصوصاً أنه مغنّ مشهور في الأصل، وليس ممثلاً، لكنه في هذا الفيلم أجاد لعب دور المستثمر، ورجل الأعمال المحنك والغامض، والذي يبدو بريئاً طوال الوقت؛ كذلك مايكل بيت يجسد دور فيليبس الرجل غير الموزون بإتقان شديد.

  • سرّ النجاح

سرّ نجاح الفيلم أنه ينطلق من نقطة وأحداث ظاهرة، ليأخذنا لاحقاً إلى قضية أكبر وأخطر، تتشعب أحداثه فيغريك لمتابعته، خطوة بخطوة، كي تكتشف كل الأسرار، والتي لا يمكننا ذكرها والخوض فيها كي لا نحرق الأحداث على من لم يشاهده بعد؛ لذلك ترى أن المخرج يحمل ذنب الجزء الضعيف من هذا العمل، إذ يجعلك تشعر أحياناً بأنك أمام حلقة من مسلسل أمريكي بوليسي، كل حركة مدروسة بلا مغامرات مجنونة، كتلك التي نشاهدها في الأفلام البوليسية، والمطاردات والأكشن في السينما الحديثة، بل هو أبسط من أفلام جريمة تم إخراجها في الستينات والسبعينات.. وهو لم يكثر الانتقال في أماكن التصوير، ولم يتكلف السفر بين الدول.. ربما نعذره لأنه فيلمه الطويل الأول، وتشفع له القصة وألغازها وأجواء الرعب التي أجاد تقديمها والمبررة دائماً، والمنطقية وفق الأحداث.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ue9c5y7u

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"