الديمقراطية المشوّهة

00:40 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

لم يسبق لأي انتخابات رئاسية أمريكية، وهي ال60 في تاريخ الولايات المتحدة، التي تُجرى في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، أن شهدت حملات أشبه بالمسرح الهزلي، ما يدل على أن الديمقراطية الأمريكية دخلت منعرجاً جديداً بات يشكل خطراً على الانتقال السلمي للسلطة، عدا أن هذه الديمقراطية تعاني في الأساس من تشوه في التمثيل الشعبي لناحية الآلية التي تحكم النتائج، إذ إن المرشح الذي يحصل على 270 صوتاً على الأقل من مجموع أصوات أعضاء الهيئة الانتخابية (أو المجمع الانتخابي) يعتبر فائزاً حتى لو حصل خصمه على عدد أكبر من أصوات الناخبين، بمعنى أن صندوق الانتخاب ليس هو الذي يحدد الفائز.

إضافة إلى أن بلداً محكوماً بحزبين (الجمهوري والديمقراطي) يتناوبان على السلطة مع تهميش الأحزاب الأخرى، ودور المال السياسي الذي يتحكم بالعملية الانتخابية ونتائجها بالنسبة للرئاسة أو الكونغرس، مع سطوة اللوبيات النافذة، كل ذلك يضع «الديمقراطية الأمريكية» أمام حقيقة تمثيلها للديمقراطية بمعناها الأصيل ومصدرها اليوناني، أي «حكم الشعب» من خلال ممثلين عنه منتخبين بإرادة شعبية حرة، وليس من خلال هيئة انتخابية محدودة العدد، لأن من يصلون إلى السلطة يصبحون رهائن للقوى التي مولت حملاتهم الانتخابية، وأجنداتها السياسية التي تكون في الغالب متعارضة مع مصلحة الشعب الأمريكي.

ولعل الحملات الانتخابية للمرشح الجمهوري دونالد ترامب تقدم لنا نموذجاً حول تدني الخطاب السياسي، وتحوله إلى مسرح هزلي، لا يمت بصلة إلى الديمقراطية الحقيقية، وذلك من خلال تهكمه المستمر على الرئيس الحالي مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن الذي كان قد وصفه ب«الرئيس النعسان» أو «جو الملتوي»، ثم يقوم بتقليده في مشيته، وفي زلات لسانه.

وفي حملته يوم الأحد الماضي في ولاية إيوا وصف ترامب الرئيس بايدن بأنه «غير كفء» و«فاسد»، وأعاد ذكر أخطائه بشكل ساخر، مثل الظهور وهو تائه على خشبة المسرح بعد الخطاب، والتعثر على الدرج. واصفاً بايدن بأنه «لا يستطيع النزول من على المسرح ولا يمكنه الجمع بين كلمتين.. لكنه مسؤول عن الحقيبة النووية». وقام ترامب بتقليد حركات بايدن وهو يبتعد عن الميكروفون، رافعاً يديه في حيرة وسط الجمهور، متسائلاً «أين أنا؟» بينما كان الجمهور يضحك.

لعل ترامب يستخدم هذا الأسلوب في حملته الانتخابية من باب التشفي بخصمه الذي لا يكبره إلا بثلاث سنوات، ثم في محاولة منه للظهور أمام مؤيديه بأنه الأقدر على قيادة البلاد، خصوصاً أن استطلاعات الرأي وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز تعطي أرجحية لترامب على بايدن، إذ إنه يتقدم في خمس ولايات من أصل ستٍ رئيسية.

محللون وخبراء أمريكيون بدأوا التحذير من النتائج المحتملة للانتخابات الرئاسية، كما يحذرون من انحدار الديمقراطية وتحولها إلى الدكتاتورية، ويحذرون من تصاعد موجة العنصرية والتمييز.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3cmvc9fa

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"