تقطيع أوصال السودان

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

من الواضح أن المتحاربين في السودان فقدوا أي حس بالمسؤولية والوطنية، أو الالتزام بأدنى معايير الانضباط والقيم التي من المفترض أن تحكم سلوكهم، وباتوا في حلٍّ من الالتزام بالمحافظة على الوطن بما يمثله من شعب وأرض وجغرافيا وتاريخ ومؤسسات وبنى تحتية.

على مدة نحو ثمانية شهور من المعارك بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، لم يعد في السودان من مكان إلا وطاله التدمير، ولم يعد هناك حرمة للبشر الذين تشردوا بالملايين، ولا التزام بأدنى المعايير الأخلاقية في المحافظة على المستشفيات والمراكز الصحية وأملاك الناس التي تعرضت للنهب، ولم تسلم حتى المؤسسات الإنسانية الدولية من هذا الفعل الشنيع، كما انتُهكت الحرمات بأبشع الصور، مثل عمليات الاغتصاب، وارتكاب جرائم حرب على أساس عرقي وجهوي كما في إقليم دارفور.

في بيان لمنظمتي اليونيسيف والصحة العالمية تحذير من خطر وقوع أعداد كبيرة من الوفيات بين الأطفال بسبب تزايد الاضطرابات في النظام الصحي، واصفاً ذلك بأنه «غير مقبول»، وأشار البيان إلى أن المرافق الصحية محتلة أو منهوبة أو مدمرة، وأن 70% من المستشفيات في المناطق المتضررة من النزاع باتت خارج الخدمة. وحذرتا من انتشار الأمراض بسبب موسم الأمطار جراء سوء التغذية والمأوى والمياه النظيفة وفقدان الخدمات الأساسية. وتحدث البيان عن وجود أكثر من 7.1 مليون نازح داخلياً، وتشرد 4.5 مليون منهم منذ اندلاع القتال، ليسجل السودان بذلك أكبر عدد من النازحين داخلياً في العالم.

ولكي تكتمل معالم الجريمة الكبرى، فإن المتحاربين تعمدوا مؤخراً تقطيع أوصال السودان من خلال تدمير الجسور التي تربط العاصمة ببعضها، أو تربط العاصمة ببقية المناطق. فبعد تدمير جسر شمبات على نهر النيل والذي ظل يربط منذ عام 1966 بين مدينتي الخرطوم بحري وأم درمان، فقد تم تدمير جسر جبل الأولياء الواقع على نهر النيل الأبيض، على بعد 44 كيلومتراً جنوبي العاصمة، وهو الجسر الذي يربط ولايتي الخرطوم والنيل الأبيض. وتكمن الأهمية الاستراتيجية لمنطقة جبل الأولياء في أنها تضم قاعدة «النجومي» التي تعد واحدة من أهم أربع قواعد جوية في السودان، كما أن السيطرة على المنطقة تعني التحكم بشكل كبير في جزء مهم من المداخل الجنوبية للعاصمة.

واللافت أن كلاً من «الدعم السريع» والجيش تبادلا مسؤولية تدمير الجسرين، في محاولة منهما للتبرؤ من ارتكاب مثل هذه الجريمة التي تضاف إلى آلاف الجرائم التي ارتكبت حتى الآن.

إن تقطيع التواصل بين مدينتي الخرطوم بحري وأم درمان، وبين بقية المناطق السودانية، لا يعني فقط تدمير الجسور، وإنما أيضاً تدمير الروابط والعلاقات بين أبناء الوطن الواحد، والقضاء على وشائج القربى والدم التي تربط بين السودانيين عبر التاريخ، وهذه جريمة كبرى بحق الوطن.

لقد ذهبت أطراف الصراع بعيداً في حربهم العبثية التي لم تعد تعني إلا المزيد من القتل والدم والدمار والتشريد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdnry82d

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"