عادي

الفيزياء تسقط الفلسفة من عرش الأفكار

20:31 مساء
قراءة 3 دقائق
الفيزياء والفلسفة
القاهرة: «الخليج»
هل يمكن أن يكون لدينا أي معرفة بالعالم بخلاف ما نكتسبه من طرق العلم؟ هل نتمتع بالإرادة الحرة، أم أننا مجرد تروس في آلة ضخمة يجب أن نتتبع مسارها المحدد مسبقاً حتى تنفد أخيراً؟ هل العالم الذي ندركه هو عالم الواقع المطلق، أم أنه مجرد ستار يخفي حقيقة أعمق أبعد من ذلك؟
في هذا الكتاب وعنوانه «الفيزياء والفلسفة.. تأملات فيزيائي في بعض مشكلات الفلسفة» (ترجمة نور ياسين) يتصارع جيمس جينز أحد أعظم علماء القرن العشرين مع هذه الأسئلة القديمة، محققاً في هذه العملية عرضاً رائعاً غير تقني من خلال تعريف الفيزياء والفلسفة، مشيراً إلى الاختلافات في محاولات كل منهما شرح الواقع المادي ومكانة الإنسان فيه. تمهد هذه المناقشة الطريق لمخطط تفصيلي للطرق المعرفية التي تتم فيها مقارنة عقلانية مفكرين مثل ديكارت وكانط بتجربة لوك وهيوم.
على مدار الكتاب، وبطريقة منهجية، حشد جينز الدليل على استنتاجه المذهل: الاكتشافات الحديثة في علم الفلك والرياضيات والفيزياء الذرية الفرعية وغيرها من التخصصات قد أزالت الأساس العلمي للعديد من المناقشات الفلسفية القديمة، ويجب إعادة النظر في المشكلات القديمة مثل السببية والإرادة الحرة والحتمية وطبيعة المكان والزمان والمادية والعقلية في ضوء المعرفة والمعلومات الجديدة التي حققتها العلوم الفيزيائية في القرن العشرين حتى في ذلك الوقت، ومع ذلك، يحذر جينز من استخلاص أي استنتاجات إيجابية، مشيراً إلى أن كلاً من الفيزياء والفلسفة صغيران نسبياً وأننا لا نزال، على حد تعبير نيوتن، مثل الأطفال الذين يلعبون بالحصى على شاطئ البحر، بينما الحقيقة غير المكتشفة، بعيدة عن متناولنا.
من الواضح أن قضية حرية الإنسان في الاختيار بين الشر والخير أو في اختيار طريق في الحياة ما هي إلا وهم كبير، إضافة إلى ذلك هناك ثورة رابعة في علم الطبيعة تؤثر في نظرتنا العامة للكون، لأنها تؤثر في الفلسفة، وفلسفة أي عصر تخضع للعلم الذي يسود ذلك العصر، فأي تغيير جذري في العلم يتبعه رد فعل في الفلسفة، وهذا هو الحال في هذه القضية، فالتغييرات الفيزيائية لها لون فلسفي متميز والاستجواب المباشر للطبيعة عن طريق التجربة قد كشف عن الخلفية الفلسفية التي كان العلم يسلم بخطئها حتى الآن.
يرى جيمس جينز أنه من الطبيعي أن يؤثر التصحيح اللازم في الأساس العلمي للفلسفة، ومنها في تناولنا للمشاكل الفلسفية لحياتنا اليومية، هل نحن مُسَيَّرون أم مُخَيّرون؟ وهل العالم مادي أم ذهني في جوهره النهائي أم هو الاثنان معاً؟ فإن كان فأيها الأساس؟ هل العقل من خلق المادة أم أن المادة من خلق العقل؟ هل العالم الذي ندركه حسياً في المكان والزمان هو عالم الحقيقة النهائية أم هو مجرد ستار يخفي وراءه حقيقة أعمق؟
*أهداف
الهدف الأول من هذا الكتاب كما يؤكد جينز أن يناقش العلاقة المتبادلة بين الفيزياء والفلسفة، وقبل هذا وذاك يبحث في أسئلة عامة مثل: ما الفيزياء؟ ما الفلسفة؟ تعود الفيزياء والفلسفة إلى العصور القديمة، حيث بدأ الإنسان يميز نفسه عن أسلافه البدائيين مكتسباً خصائص عاطفية وعقلية جديدة، صارت فيما بعد علاماته المميزة، أهمها حب الاستطلاع العقلي الذي أثمر الفلسفة وحب الاستطلاع العملي الذي انتهى إلى العلم.
وجد الإنسان البدائي الذي ألقي في عالم لا يفهمه أن راحته ورخاءه، بل حتى حياته معرضة للخطر، بسبب رغبته في فهم الطبيعة، فهي قد تيسر عليه حياته، لكنها يمكن أن تنقلب ضده، ألا يحدث أن تتبدل أشعة الشمس الواهبة الحياة والغيث اللطيف بالرعود والأعاصير؟ أوحى له هذا بمشاعر من الرهبة والخوف كتلك التي يحس بها تجاه الحيوانات الضارية والأعداء من البشر الذين يهددون حياته، ودفعه هذا إلى أن يطبق أهواءه على الأشياء الجامدة المحيطة به، فملأ دنياه بأرواح وعفاريت، لدرجة أن الطبيعة بأكملها كانت مجموعة من الشخصيات الحية، ومثل هذه التخيلات لم تقتصر على سكان الكهوف والهمج.
يوضح جينز أن كل إنسان يعيش حياته العقلية داخل سجن لا مهرب منه هو الجسم البشري وصلته الوحيدة بالعالم الخارجي من خلال أعضاء الحس، كالعيون والآذان فهي أشبه بنوافذ ننظر من خلالها إلى العالم الخارجي، والذي تنقصه الحواس الخمس لا يعرف شيئاً عن هذا العالم، فهو لا يملك أداة للاتصال به، ولأنه لا يوجد رأي نهائي في العلم، فإن هذا لا يجعلنا نقول إن المادية قد ماتت أو أن التفسير الجبري للعالم قد أصبح موضة قديمة، ومع ذلك نستطيع أن نقول إن الجبرية والحرية والمادة والمادية في حاجة إلى أن يعاد تعريفها على ضوء معارفنا العلمية الحديثة.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4emsukck

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"