لم يحظ شاعر إسباني بالترجمة إلى العربية مثلما حظي بها فيديريكو غارثيا لوركا، لا بل لم يحظ شاعر أوروبي أو آسيوي بهذا القدر من الاعتبارية الثقافية العربية كما حظي الأندلسي ذاك صديق الزيتون والغجر والصباحات الشقر، وهو ينقل إلى العربية وحسب، بل كان دائماً موضع الكثير من الدراسات والقراءات القائمة على شفافية عربية كما لو أن دماً عربياً يجري في عروقه..
لعلّ من أوّل اهتمامات العرب بلوركا كان مجموعة مقالات نقدية حول شخصيته وشعره وحياته صدرت في العام 1980 عن وزارة الثقافة والإعلام في بغداد ضمن سلسلة كانت تصدرها الوزارة آنذاك تحت عنوان (الكتب المترجمة).
في العام 1980 أيضاً صدرت مختارات من شعر لوركا نقلها إلى العربية عدنان بغجاتي عن دار المسيرة في بيروت، وفي العام 1995 صدرت قصائد له تحت عنوان (شاعر في نيويورك) عن داري إشراق وأزمنة في العاصمة الأردنية عمّان، ونقلها إلى العربية حسين عبد الزهرة مجيد، ولعلّ آخر ما نقلته الترجمة العربية للوركا كان كتاب (غرناطة لوركا)، ترجمة: حسين عبد الزهرة مجيد أيضاً، وصدرت طبعته الثانية عام 2018.
بالطبع، هناك ترجمات أخرى لصاحب الشفافية الأندلسية (العربية) من الإسبانية مباشرة إلى لغتنا المرنة تماماً خصوصاً تجاه شعر مثل شعر لوركا، ثم، لا ننسى هنا أن الإسبانية تحمل الآلاف من الكلمات والصوتيات العربية، ولا ننسى أيضاً أن الكثير من المترجمين العرب يعرفون الإسبانية جيداً، وتحرّك أعماقهم نزوعات وجدانية تاريخية إلى ما يُسَمّى دائماً: الحنين الأبدي إلى الفردوس المفقود كناية عن فقدان غرناطة آخر مملكة أندلسية سلّم مفاتيحها عبد الله الصغير للملك الإسباني وزوجته في مشهد تراجيدي صوّره أراغون، الشاعر الفرنسي في كتابه الدوراني المذهل (مجنون إلسا).. وأراغون أيضاً اسم مقاطعة أو ناحية من نواحي إسبانيا.
.. لماذا يترجم العرب لوركا بهذه الكثافة المتوالية من دون الالتفات إلى مسألة التكرار في مثل هذه الترجمات التي قد يكون بعضها ليس مهنياً بالقدر الذي يتناسب وقيمة لوركا؟.. الإجابة قد تكون (مختبئة) في فكرة الحنين نفسها التي أشرت إليها قبل قليل.. الحنين إلى الفردوس المفقود إلى الأبد، ولن يعود كما لن يستعاد إلّا في الشعر.
لوركا في العقل الباطن الثقافي العربي هو الأندلس، والشاعر في هذه الحالة ليس مجرد مغنٍ جوّال ومعه كمنجة، بل هو ذاكرة وهو تاريخ، وحين نأخذه بقوة إلى الترجمة، فإنما، لأننا من خلال الذاكرة الباطنية نحاول أخذ الأندلس (بالقوة)، ولكن ليس بقوة السيف، وإنما بقوة الشعر.
نعم.. الشعر، شكل من أشكال الاستعادة والقوّة والتعويض إذا كان شعر القلب الذي يشبه قلب لوركا..
[email protected]
http://tinyurl.com/3e3jwxsu
مقالات أخرى للكاتب
![الخليج](/sites/default/files/2024-07/Untitled-1_1.jpg)
![الخليج](/sites/default/files/2024-07/Untitled-1_1.jpg)
![الخليج](/sites/default/files/2024-07/Untitled-1_1.jpg)
![الخليج](/sites/default/files/2024-07/Untitled-1_1.jpg)
قد يعجبك ايضا
![فرشاة أسنان داخل معدة طالبة مصرية طوال 3 أشهر](/sites/default/files/2024-07/6186971.jpeg)
![منطقة-الانهيار](/sites/default/files/2024-07/6186969.jpeg)
![نهر السين سيكون على موعد مع حفل افتتاح رائع](/sites/default/files/2024-07/6186967.jpeg)
![](/sites/default/files/2024-07/6186963.jpeg)
![](/sites/default/files/2024-07/6186961.jpeg)
![البقايا المتفحمة في مقر التلفزيون البنغلادشي في دكا والذي أحرقه المحتجون (أ.ف.ب)](/sites/default/files/2024-07/6186959.jpeg)
![بايدن يعانق ابنه هانتر أمام السيدة الأمريكية الأولى بعد مخاطبة الأمة من المكتب البيضاوي (أ ف ب)](/sites/default/files/2024-07/6186957.jpeg)
![1](/sites/default/files/2024-07/2441664_6186759_0.jpg)