الشعر حامل للغة

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

ما من لغات عظيمة في العالم وفي حضاراته وثقافاته الخالدة إلا وكان الشعر حاملاً ثقافياً وروحياً وتاريخياً لهذه اللغات الكبرى: العربية، الصينية، الهندية، الفرنسية،، الإسبانية، الروسية، الألمانية، الإنجليزية، وغيرها من لغات عاشت وخلدت بالشعر: المتنبي، البحتري، أبو العلاء المعري، أبوتمام، أبو فراس الحمداني، محمود درويش، أمل دنقل، دوفو، السيّاب، شكسبير، طاغور، سان جون بيرس، موليير، أراغون، بوشكين، ليرمنتوف، غوته، جورج ماورر، لوركا، رفائيل البيرتي، وغيرهم من أعمدة ذهبية في شعريات الشرق والغرب.
وبالطبع، هناك شعريات خالدة أيضاً في بلدان شمالي العالم وجنوبه عاشت واكتسبت خلودها الثقافي من خلال اللغات التي كتبت بها، وهي، مرة ثانية، شعريات عظيمة حاملة لتلك اللغات.
مهرجان الشعر العربي في الشارقة، في ضوء تلك الحقائق والبدهيات، هو، إذاً مهرجان آخر للغة العربية، ولأن الشعر مصفاة وتقطير وتركيز، فنحن بطبيعة الحال أمام قراءات صافية مقطّرة مركّزة من حيث اللغة، وإلى جانب ذلك، فأنت تصغي إلى الشعر، وأنت مطمئن تماماً إلى صفاء اللغة وحيوتها العالية من حيث الضبط اللغوي والنحوي والبلاغي.
وأيضاً، حين نصغي إلى قراءات منتخبة لشعراء هم نخبة من الوطن العربي، فإننا في الوقت نفسه مطمئنون تلقائياً إلى صفاء القواعد الأساسية للشعر: بحوره، أوزانه، عروضه، وإلى آخر تلك الأسس التي تقوم عليها القصيدة العربية العمودية، والتفعيلية.
إن سلامة الوزن الشعري هي أيضاً مسألة لغوية، وإن كان حقل العروض يختلف تماماً عن حقل قواعد اللغة العربية، ذلك أن الوزن الصافي المركز المقطّر، إن جازت العبارة، هو في حد ذاته بلاغة، بلاغة إيقاع، وبلاغة موسيقى هما صوت القصيدة العربية وامتيازها الجمالي، الغنائي.
لماذا نقول إن مهرجان الشعر العربي هو في الوقت نفسه مهرجان لثقافة وجماليات اللغة العربية؟ ذلك، وباجتهاد شخصي، أن الشعر يقوم في أحد أوجهه الجمالية على الكناية، والاشتقاق، والمجاز، والتورية، والصورة. يقوم الشعر على الاستعارة، والتكثيف، والتداعيات، والإيجاز، ويقوم على التماثلات والمتقابلات والأضداد، كما يقوم الشعر على الاسترسال أحياناً، بخاصة في الشعر الدرامي. وكل هذه العناوين هي في أصلها تتصل مباشرة باللغة، بلاغة اللغة، وجمالياتها، ورمزياتها، وتأويلاتها المباشرة وغير المباشرة.
إن القراءات الشعرية لنخبة من مبدعي القصيدة العربية الجديدة هي مسرح واسع من المرايا التي تنعكس فيها صور اللغة.
الشعر هو اللغة. والشعراء على نحو ما من حيواتهم الأدبية هم لغويون، ومعجميون، ورّاقون إلى أبدية أعمارهم، بلا كللٍ أو تعب.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/ytskus65

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"