الشعر يصنع ثقافة الحياة

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

يتاح لنا في مهرجانات الشعر النوعية معاينة حالات وظواهر أدبية وثقافية وفنية من خلال الإصغاء الحرفي للقراءات المتلاقية والمتقاطعة في هذه المهرجانات، وأكثرها انتظاماً منذ الثمانينات وإلى اليوم مهرجان الشعر العربي في الشارقة. وأذكر أنني قبل عقود من الزمن قدّمت الشاعر اليمني عبدالله البردوني في قراءة له في الشارقة، والبردوني، بالمناسبة، جرى اكتشاف ظاهرته الشعرية في إحدى دورات المربد في العراق، ومن هناك عرف شاعر اليمن الأول حين لفت عشرات الشعراء العرب، وهو بالفعل «ظاهرة» حية في ديوان العرب.
سنعرف أو نعاين في مهرجان الشعر العربي في الشارقة إلى أين وصلت مستويات قصيدة العمود الخليلي، وإلى أين وصلت آفاق قصيدة التفعيلة (مرة ثانية من خلال القراءات)، أي إلقاء الشعر، وسوف يعوّل الكثير من متابعي الشعر على «الإلقاء» لأنه يجسد أو يبلور الصور الواردة في القصيدة، وقد يغيب عن قارئ القصيدة من كتاب أو من مجموعة بعض تجسيدات الصور الشعرية في القصيدة، في حين يمكن ل «الإلقاء» أن يشرح، إن أمكن القول، هذه الصور، ويبلورها من خلال صوت القصيدة الذي يتمثل في «إلقاء الشاعر»، ما هي الموضوعات التي يضيء عليها الشعر العربي اليوم؟ ما حدود وأبعاد اللغة الشعرية الجديدة اليوم؟ ما هي الأسئلة الوجودية والفكرية والجمالية التي تنشغل بها القصيدة العربية اليوم؟
كل هذه التساؤلات ربما نجد بعض إجابات عنها من خلال المهرجان، غير أن الشعر لا يطرح قضايا وموضوعات وأسئلة وظواهر فقط، بل الشعر إلى جانب كل ذلك حامل للفكر والفلسفة والحكمة والمعرفة والتاريخ. في الشعر يتمظهر تاريخ أشواق وأحزان وأمل البشر، وفي الشعر يتجلى تاريخ قلب الإنسان، إن جازت العبارة، وفي داخل كل شاعر حقيقي لا بد من فيلسوف يتوارى في ذاته الإبداعية الشعرية، كما أن في داخل كل شاعر جميل لا بد من روح الرسام وعقل المفكر، وشغف الإنسان الحر بالحياة.
هذه معاً ليست موضوعات، بل هي مكونات الشعر حين يكون الشاعر ابن العالم والحياة والجمال، وحين يكون الشاعر كائناً إنسانياً كونياً تلتقي في ذاته ثقافات الحياة وحضارات الإنسان، تلك الثقافات والحضارات التي لا تكون إنسانية وعالمية إلا إذا ارتوت بماء الشعر.
بهذه الرؤية الثقافية تجاه المهرجان، فنحن، إذاً، لسنا فقط في قلب تظاهرة لغة وبلاغة وصور وغنائيات متلاقية، بل نحن أيضاً في قلب المفاهيم الفكرية، والنقدية، والمعرفية التي تقوم عليها الثقافة في مصطلحها العام.
مهرجان الشعر هو، إذاً، مهرجان فكر، ونقد، الشعر، ديوان العرب وديوان الإنسانية الكونية برمّتها، ولأن الشعر فعل كوني عالمي، فإن لغاته لا تحتاج إلى ترجمة.  فكرة الحب، مثلاً في شعر اللغة العربية هي ذاتها فكرة الحب في كل لغات العالم.
الشعر بهذا المعنى المبسّط ثقافة عالمية تلتقي في داخلها فلسفات الشرق والغرب، كما يلتقي فكر الشمال والجنوب تحت عنوان واحد موجز: «ثقافة الحياة».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/mwmzzsku

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"