البستان..

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

ما أجمل الشعراء الذين تكثر في قصائدهم البساتين وأسماء الكثير من الأشجار والغابات.. أولئك كتبة الشعر الصافي المُقَطّر من التراب والهواء والشمس.. العناصر الثلاثة التي تصنع البستان.

اقرأ الأعمال الشعرية الكاملة «دار الرافدين ومنشورات تكوين إصدارات 2022» للشاعر أحمد شاملو، ونقلته إلى العربية مريم العطار، وقدّم للترجمة أدونيس بمقالة صغيرة لا تتحدّث عن شعر شاملو بقدر ما تتحدث عنه وعن رؤيته الأيديولوجية للعلاقة التي تجمعه بشاملو، أما الترجمة فلا تعرف إن كانت عن الفارسية أو لغة وسيطة مثل الإنجليزية مثلاً أو الفرنسية، وفي كل الأحوال إن المهم هنا أنك تقرأ شعر أحمد شاملو «1925- 2000»، وتتوقف بإرادتك الأدبية عند فكرتين أو معنيين هما أساس شعر شاملو:.. المرايا، والبستان.

أكتب في هذه المقالة عن صورة البستان فقط، وأترك المرايا عند شاملو إلى قراءة أخرى، كما أنه ما أكثر المرايا والبساتين في شعر سُهراب سبهري، وفروخ فرخ زاد، وكل ذلك من خلال الترجمات. ونحن كقراء عرب لا نعرف الخيانة والأمانة في هذه الترجمات إذا كنّا في لحظة القراءة تلك لا نعرف الفارسية ولا اللغة الوسيطة المنقول إليها عن العربية.

البستان، وكما رأيت ولو باجتهاد بسيط هو ليس بستان الأشجار والزهور والعشب، بل البستان، هو أنت أيها الإنسان، البستان في داخلك تماماً، وأنت أيها الكائن البشري الجميل بستان من دون أن تدري، ولو نظرت إلى داخلك.. أي داخل قلبك وداخل عينيك لوجدت أنك بستان جميل.. أخضر، لفيف من الشجر والأغصان والثمر والزهر والفروع التي تتجه دائماً إلى الشمس.. الشمس التي يقول عنها الشعراء الصّوفيون إنها (مرآة السماء).

«أيها الشجر يا أخي» يقول أحمد شاملو، وهو في الجزء الأول من أعماله الشعرية الكاملة يكرر كلمة (البستان) أكثر من خمسين مرّة، وفي كل مرّة يبدو البستان بلا تكرار، ولا إعادة، ولا استهلاك للمعنى الجوهري والوجودي لهذا الأفق الجميل:.. البستان.

يقول أحمد شاملو «يا لها من عذوبة أن تقرأ الغابةُ ألحانها..»، ويكتب شاملو عن (التاريخ) كما لو يكتب عن طفلة أو امرأة، ويقول «..الرياحُ تسري في عروق البستان..» ويقول، في مكان آخر: «مَضَتْ رياحٌ مسرعة على نائمين فوق التراب، وقد ترك الغرابُ عشه فوق غصن التين العاري في البستان..»، ثم في مكان آخر يقول: «..بدأت أوراق الشمس على عريشة البستان القديم بالنموّ..».

بساتين كثيرة في شعر أحمد شاملو.. ولكن كم من البساتين في قلب القارئ الذي يقرأ شعراً بهذه الأفكار.. هل نحن بساتين؟.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4yk5vexc

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"