عادي

ألف شبح وراء عزلة بورخيس

21:33 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: الخليج

أصدر الدكتور محمد أبو العطا ترجمته لكتاب بورخيس «الألف» ويستهل الترجمة بمقدمة تشير إلى أن عقد الثمانينات شهد رحيل جماعة من أبرز كتاب الرواية والقصة في أمريكا اللاتينية، منهم الكوبي أليخو كاربينتر (1980) وخوليو كورتاثر (1984) ومانويل موخيكا (1984) وخوان رولفو (1986) وبورخيس (1986).

وترتبط أسماؤهم جميعاً بحركة التجديد الأدبي التي طرأت، خاصة على الرواية والقصة والرواية الإسبانوأمريكية منذ أواخر الثلاثينات حتى الآن، على اعتبار أن قطاعاً بارزاً من أبناء هذه الحركة، رغم تفاوت العمر، لا يزال حياً ويبدع.

ويعتبر بورخيس من نخبة مفكري هذا القرن ومبدعيه، نظراً لثقافته الموسوعية واطلاعه على ثقافات الشرق والغرب، وقيل إنه لو لم يتجه إلى الإبداع الأدبي لكان من كبار المفكرين المنهجيين في العالم.

يشير أبو العطا إلى تأثيرين فاصلين في حياة بورخيس، أولهما اللغة الإنجليزية التي تعلم القراءة بها قبل الإسبانية، وعدها لذلك لغة القراءة، ولغة الأدب، بينما كانت الإسبانية لغة المنزل، لغة التعامل اليومي.

أما التأثير الثاني، وهو حياة العزلة في المنزل، فهو يمثل سادس جيل في أسرته لأبيه يعاني ضعف البصر، وهكذا بخلت عليه الطبيعة بأمله في الحياة، أن يكون من بين الرجال المغامرين والملحميين الذين اكتظ بصورهم متحفه المنزلي، إذ كانت تحيط به صور القادة العسكريين من أسرته الذين شاركوا في أهم حروب تحرير القارة الأمريكية.

إن ظاهرة ثنائية اللغة عند بورخيس هي المكون الأساسي الذي وجه حياته منذ الصغر، ففي مرحلة أخرى في الصبا، وبعد أن اضطر إلى إتقان الإسبانية لدخول المدرسة، أصبحت الإنجليزية هي لغة الثقافة والإسبانية لغة الملحمة؛ ملحمة الجدود في حروب الاستقلال الأمريكية.

وهناك مؤثرات منزلية عديدة لا يتسع المقام لذكرها كانت أساساً لأعمال بورخيس، مؤثرات ترتبط بطفولته وصباه وحياة العزلة المفروضة عليه، وهي التي تمخضت عن الكثير من الثوابت في أدبه: الكتب، الأقنعة، المرايا، النمور، الحلم، ومن المعروف أن بورخيس في طفولته كان يخاف من الأقنعة ولا يسمح بوجودها بالقرب منه، والأقنعة في أعماله مرتبطة دائماً بالشر أو الجريمة، فالقناع يخفي الملامح الحقيقية أو يثبتها إلى الأبد، وهو أيضاً رمز الازدواجية، وقد استخدمه بورخيس في طفولته مرة واحدة حين كان يمثل دور الشيطان.

عرض النقاد الكثير من التفسيرات النفسية لهذه الظاهرة لدى الكاتب، غير أن أحد التفسيرات المؤكدة هو حياة العزلة في المنزل الكبير الموحش المنعزل عن المدينة، الذي نشأ فيه مع أخته نورا، وما استتبع ذلك من شعور بالرعب والانكشاف في مواجهة دخلاء وقتلة وأشباح، كانوا يتمثلون لهما في الأفنية وداخل المنزل، وربما استوجب رعب بورخيس من المرايا (أحد ثوابت كتاباته) تفسيراً نفسياً أيضاً.

المرايا عند بورخيس هي ذلك العالم الذي يتوارى فيه دائماً ذلك العدو خلف صفحة المرآة المعتمة، و«نمور الحلم» البورخيسية هي تلك التي كان يصر على رسمها في طفولته، هي رمز الظلام والنار والبراءة الأولى والشر والغريزة والعنف الأعمى الذي يأتي على كل شيء، ورمز الزمن الذي يلتهم حياة البشر، وهي رمز أيضاً لما كانت تفتقر إليه طفولته.

انتقل بورخيس إلى أوروبا إبان الحرب العلمية الأولى وقضى مرحلة التعليم الثانوي في جنيف، حيث تلقى علوم تلك المرحلة بالفرنسية التي قرأ بها أعمالاً أدبية فرنسية، وشجعته سنوات الحصار على مواصلة القراءة وتعلم الألمانية، وأقبل على أعمال شوبنهاور وكارلايل وغيرهما، وفي تلك الفترة كان قد توطد اهتمامه بكتابة الشعر، وأثناء وجوده في إسبانيا شهد المعارك الأدبية التي دارت رحاها بين المجددين وكبار الشعراء.

عمل بورخيس في بداية حياته مساعداً لأمين مكتبة متواضعة في حي من أحياء بوينس أيرس الفقيرة، وانتهى به الأمر إلى أن صار مديراً للمكتبة الوطنية، ويكتشف «الألف» في قبو منزله وهو في قصة «البرلمان» مدير المكتبة الوطنية الجديد، الذي كرّس حياته لدراسة اللغات القديمة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/mte5awec

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"