زهرة النرجس لا تحب العرب

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

.. آخذ تفصيلة صغيرة في المذكرات التي كتبتها الرسّامة الفرنسية فرانسواز جيلو حول علاقتها العاطفية والزوجية مع بابلو بيكاسو خلال العشرة أعوام التي أمضياها معاً في باريس «من العام 1943 – وحتى العام 1953» لتنفصل عن صاحب «المرحلة الزرقاء» كما لو أنها أنقذت حياتها من كابوس بحسب قراءة المذكرات التي صدرت طبعتها الثالثة في العام 2023 في ترجمة نقية مهنية للفنانة ميّ مظفّر، وجاءت تحت عنوان «حياتي مع بيكاسو».

في المذكرات يقف أمامنا فنان مثقف عبقري تولد أفكاره الفنية أو التشكيلية من ظهر الفكر والفلسفة، غير أن القارئ، وفي الوقت نفسه، يجد نفسه أمام فنان عصابي، أناني، بالغ الغرور حدّ الغطرسة، لا بل تستطيع القول إن لم تظلمه فرانسواز جيلو أنه مزاجي إلى درجة لا أخلاقية بل فيه شيء من التوحش.. كل ذلك يحتاج إلى مقالة منفصلة وبحث أكثر موضوعية، غير أنني أتوقف هنا عند علاقة بيكاسو اليومية مع شعراء فرنسيين كبار، بول إيلوار، وأراغون، وإلزا زوجة أراغون، كما كان على علاقة يومية أو شبه منتظمة مع فنانين كبار مثل براك وماتيس، ورينوار، والنحات جياكوميتي، وكان على علاقة ليست طيّبة مع أندريه جيد، وعرف في باريس شارلي شابلن، والعديد من الكتّاب والمثقفين الأوروبيين الذين كانت فرنسا، آنذاك، أي في الخمسينات والستينات جنّتهم الأوروبية الموعودة.. لفت نظري في هذه المذكرات «550 صفحة من القطع الكبير» أن بيكاسو لم يلتقِ في باريس الشاعر التشيلي «بابلو نيرودا»، ولم يمر له أي ذكر في هذه المذكرات.

هل كان بيكاسو على علاقة متوترة أو عدائية تجاه نيرودا الذي كان في العام 1970 سفيراً لبلاده تشيلي في فرنسا، وفي العام 1971 حصل نيرودا على نوبل للأدب وهو كان سفيراً في باريس، غير أنه لا توجد حتى أية إشارة، ولو عابرة بهذه المناسبة تؤشر على أي لحظة بين الشاعر والرسام، لا بل كان نيرودا لبعض الوقت في باريس في العام 1950، ولكن، مرة ثانية لم يلتقِ الاثنان مطلقاً، بحسب المذكرات، ولا في أية مناسبة، في حين كان بيت بيكاسو لا يخلو من الزوّار والأصدقاء والشعراء كما جاء في المذكرات على لسان «فرانسوا جيلو» التي أنجبت من بيكاسو كلود، والطفلة بالوما.

ذكرت قبل فترة بعد قراءتي مذكرات بابلو نيرودا «أشهد أنني قد عشت» أنه لم يذكر أبداً أنه التقى في حياته كلها أي كاتب أو شاعر أو مفكر عربي لا في أوروبا ولا في بلاده، مع أن الكثير من الكتّاب العرب شدّوا رحالهم إلى باريس في سبعينات القرن العشرين.. «فهل كان نيرودا لا يحب العرب؟؟».

بيكاسو، أيضاً، وبحسب مذكرات «جيلو» لم يلتقِ أيّ عربي في العاصمة الأوروبية التي كانت تُسمى عاصمة الأنوار، فقد كان الرجل يسكن، كما يبدو، في جسد «جيلو»، أو بالأحرى كان يقيم في ذاته الأنانية النرجسية،.. ويبدو أن النرجس لا يحب العرب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/ymmrs3md

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"