عادي

السودان.. من يمنع تسوية الصراع؟

23:20 مساء
قراءة 4 دقائق
السودان.. من يمنع تسوية الصراع؟

د. أميرة محمد عبدالحليم *

على الرغم من وجود إشارات خلال الأسابيع الأخيرة تبعث الأمل في حلحلة الأزمة في السودان، فإن كل هذه المؤشرات تبخرت وحل محلها استمرار الصراع والإصرار على مواصلة الحرب مهما كانت نتائجها الكارثية على السودان.

لقد عبّر الاتفاق الذي أبرمه نائب القائد العام للقوات المسلحة الفريق شمس الدين كباشي، وشقيق قائد الدعم السريع عبدالرحيم دقلو في المنامة في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، عن مرونة يبديها الطرفان، حيث تضمن الاتفاق بنوداً أهمها التوزيع العادل للفرص في السودان بين جميع طوائف الشعب بعيداً عن الكراهية والتمييز، وتكوين جيش موحد يشارك فيه الدعم السريع والحركات المسلحة، وتفكيك نظام البشير، ومحاكمة المطلوبين جنائياً، وتدشين حوار سوداني- سوداني لإنهاء الأزمة، ورفع المعاناة عن كاهل الشعب السوداني.

إلا أن التحركات والتصريحات التي صدرت عن طرفي الصراع بعد ذلك، تبتعد كثيراً عن هذا الاتفاق، الذي يبدو أنه أُبرم في ظل ضغوط وافتقاد لإرادة ورغبة في إيقاف الحرب، والحد من الاستنزاف البشري وعدم قبول الدور المحوري للقوى المدنية في المستقبل السياسي للسودان.

افتقاد الثقة

قام قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان يرافقه مدير جهاز المخابرات العامة بتفقد للقوات في مدينة أم درمان يوم الجمعة الماضي؛ حيث أعلن بيان للجيش تحقيق قواته انتصارات كبيرة، وتنفيذها المرحلة الأولى من تطهير المدينة من الدعم السريع، حيث نشر الجيش مقاطع مصورة لتقدم قوات سلاح المهندسين وتدميرها مركبات وقتلها للعشرات من جنود الدعم، كما اتجه الفريق شمس الدين كباشي في الأسبوع الماضي إلى توجيه انتقادات حادة لقوى «إعلان الحرية والتغيير» واتهمهم بالعمالة والتواطؤ مع الدعم السريع، في حين كانت مختلف القوى السياسية تنتظر أن يتحدث كباشي عن تفاصيل اتفاق المنامة.

كما جاءت التصريحات التي أدلى بها نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار في 15 فبراير/شباط في الاتجاه نفسه، فعقب زيارته لجنوب السودان ولقائه الرئيس سلفا كير وسفراء دول الترويكا (الولايات المتحدة، وبريطانيا، والنرويج) ورؤساء بعثات الاتحاد الأوروبي والسفراء الأفارقة وممثل الاتحاد الإفريقي، أكد عقار أن الجيش متقدم عسكرياً وأنه لا مجال للمفاوضات حالياً مع دوي المدافع وطلقات الرصاص ورفض الدعم السريع تنفيذ ما اتفق عليه في الخروج من المنازل والمواقع التي احتلتها. كما حذر عقار من تأثيرات انهيار السودان على دول القرن الإفريقي.

جهود للتسوية

والتقت مساعدة وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية، مولي فيي في زيارتها لأديس أبابا للمشاركة في فعاليات القمة الإفريقية مؤخراً، وفداً من «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم) بقيادة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، وعدداً من قادة المجتمع المدني السوداني. وشددت المسؤولة الأمريكية على أن مستقبل السودان بعد الصراع يعتمد على تشكيل جبهة مدنية واسعة وشاملة ومؤيدة للديمقراطية، لتحديد أولويات المرحلة الانتقالية.

وعلى صعيد آخر، أكد بيان مشترك بين تنسيقية «تقدم» و«حزب البعث العربي الاشتراكي- الأصل»، أصدرته الكتلتان من القاهرة في 14 الجاري، أن الأولوية القصوى في الوقت الراهن،هي لإيقاف الحرب للحفاظ على وحدة واستقرار السودان وإنقاذ الشعب السوداني من الكارثة التي تعصف به. واتفق الطرفان على العمل المشترك لحشد الإرادة الوطنية من أجل وقف الحرب ومحاربة خطاب العنصرية والكراهية، والانخراط في مبادرات تخفيف الأزمة الإنسانية. ودان الجانبان جميع الانتهاكات التي ارتكبها طرفا الحرب، وطالبهما بالكف عنها، وشددا على أهمية محاسبة مرتكبي الجرائم.

تفاقم الأزمة الإنسانية

وفي مقابلة خاصة مع «قناة الحرة» من نيروبي في 18 الجاري، حذرت مسؤولة الاتصال في برنامج الأغذية العالمي والمتحدثة باسم البرنامج في السودان ليني كينزلي من عواقب ارتفاع مستوى المجاعة في السودان خاصة مع اقتراب موسم الأمطار في شهر مايو/أيار، حيث يواجه 40 % من السكان في السودان خطر المجاعة في ظل شح المواد الغذائية وصعوبات إيصال المساعدات، ووجود فجوة تمويلية كبيرة؛ حيث تبرز هذه الآثار في مدن العاصمة وولايات درافور وكردفان، كما أعلن برنامج الغذاء العالمي عن وجود 18 مليون شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بما يعنى أن 3.8 مليون طفل سوداني دون الخامسة يعانون سوء التغذية، ويواجه البرنامج فجوة تمويلية تبلغ نحو 300 مليون دولار خلال الأشهر الستة المقبلة.

واستمراراً لمسلسل الفوضى الذي تشهده السودان كأحد التداعيات الخطِرة للصراع المتفاقم، حذر حقوقيون وناشطون من جرائم القتل التي تنتشر على نحو خطِر وتستند لاعتبارات جهوية أو طائفية أو شكوك حول الانتماءات السياسية للقتلى، ما يثير الفزع في الأسر السودانية.

وأعلن وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في 14 فبراير/شباط الحالي، أن فرنسا ستستضيف مؤتمراً إنسانياً في منتصف إبريل لمساعدة السودان والدول المجاورة على مواجهة تداعيات الحرب الأهلية، كما حثت الأمم المتحدة الدول على عدم نسيان المدنيين المتضررين من حرب السودان، وناشدتها بجمع 4.1 مليار دولار لتلبية احتياجاتهم الإنسانية، ودعم أولئك الذين فروا إلى البلدان المجاورة؛ حيث يحتاج نصف سكان السودان الذي يبلغ عددهم 48 مليون نسمة إلى المساعدة الإنسانية والحماية.

وأخيراً، لا تزال التطورات في السودان لا تفصح عن خطوات حاسمة تجاه تسوية الأزمة ووقف الحرب، وعلى الرغم من أن تصريحات وتحركات طرفي الصراع تشير إلى عجز القوى الخارجية والداخلية عن دفعهما لإنهاء الحرب، وأن خصوصية الحالة السودانية تفرض هذا العجز، إلا أن تجارب تسوية الصراعات في إفريقيا؛ بل وفي مناطق أخرى من العالم، تؤكد قدرة القوى الخارجية على وقف الحرب في السودان، على الرغم من التشكيك الذي يلاحق بعض أدوار هذه القوى، ما يطرح تساؤلات حول مواقفها وهل هي بالفعل لا تمتلك أدوات للضغط على طرفي الصراع لفرض التسوية؟ أم أنها كما يرى البعض انشغلت بصراعات أخرى مثل الحرب على غزة أم أن مصالح هذه القوى تنتظر تطورات جديدة في الصراع قد تفضى إلى سيناريو تقسيم السودان؟

* باحثة في الشؤون الأفريقية بمركز الأهرام للدراسات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/mswzed8b

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"