حوار الدّيَكَة

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

قرأت قبل نحو خمسة أعوام حواراً مطوّلاً مشتركاً أجراه الصحفي أورلاندو بارون مع بورخيس، وإرنستو ساباتو. وجاء الحوار على مدى عشرة شهور ويدور في أغلبه حول القراءة.. ماذا يقرأ بورخيس؟ وماذا يقرأ ساباتو؟ غير أن المهم هنا هو الآراء التي أعطاها الكاتبان الأرجنتينيّان في الكتب التي قرآها وتحاورا حولها في ذلك اللقاء الفريد الذي نقله إلى العربية الكاتب والمترجم المغربي أحمد الويزي، وهو لقاء كاتبين كبيرين لكل منهما مزاج ومرجعية وتاريخ قرائي طويل.

كانت رواية «دون كيشوت» الشهيرة وذات الصيت العالمي، موضع نقاش بين بورخيس وساباتو. بورخيس كان يرى أنها رواية عادية إن لم تكن ضعيفة، ولكن الرجل عدل عن رأيه هذا وقال: «أعتقد أنني كنت ظالماً في حكمي»، في حين رأى ساباتو أن سرفانتس مؤلف «دون كيشوت» قال ما ينبغي أن يقوله في الرواية، وأنه صاغ روايته بالشكل الذي كان يتعين عليه أن يصوغها به.

ولكن ماذا يقول ساباتو عن شكسبير؟ يقول إنه كان يأخذ أفكاره من بعض الكتّاب الرديئين الذين لم ينجزوا أي أدب جيد يذكر، وقال في مكان آخر بلغة أكثر حسماً إن شكسبير كان يستمد موضوعات تراجيدياته من كتّاب الدرجة الثانية المعاصرين له انطلاقاً ممّا سمّاه تلك الخطاطات المبتذلة.

في الحوارية الثنائية تلك حول الكتب والقراءة يفاجأ بورخيس بأن هناك أكشاكاً تبيع الكتب. ويتساءل أمام ساباتو ببراءة حدّ السذاجة قائلاً: كتب في الأكشاك؟ فيرد عليه ساباتو: نعم يا بورخيس هناك كتب تباع في الأكشاك ومن بينها كتبك بالطبع.

لا يخفى على القارئ تلك النظرة الاستعلائية تجاه بعض الكتب وبعض الكتاب بخاصة من جانب إرنستو ساباتو، وهو رسام وكاتب وعالم فيزياء، غير أن بورخيس هو الآخر له إشعاعاته الغرورية، إن جازت العبارة، في هذه الحوارية المشتركة الأشبه بصراع خفيّ بين ديكين، كما لا يخفى على القارئ تلك الروح الاستعراضية أيضاً حين يتعلق الأمر بالقراءة ذات الطابع النقدي. وفي كل الأحوال، نتذكر ثانية أن الكاتبين لم تكن تجمعهما صداقة، ولا عداوة أيضاً، لكن حالة الغرور والاستعراض تفرض واقعها تلقائياً حين يكون اثنان في مثل هاتين القامتين وجهاً إلى وجه في حوار ثقافي أو حتى على مائدة طعام.

في حوارات قديمة طالما ذكر بورخيس بعضاً من المرجعيات الأدبية العربية التي شكّلت ثقافته العظيمة، لكنه لم يذكر ولا أي كتاب عربي واحد قرأه صاحب «المتاهات» في مثل قراءته للأدبيات الكبرى في العالم. وكذلك، ساباتو ظل طيلة الحوار ينبش في ضريح شكسبير.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3hj8pea3

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"