شيء ما عن الشعر

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

بالصدفة، وجدت أمامي قراءتين متوازيتين: الأعمال الكاملة لوالت ويتمان، والأعمال الكاملة لإزرا باوند من جانب، وفي الجانب المقابل، أعمال شعرية شبه كاملة لشارل بودلير، وأعمال شعرية لرامبو، وهي فرصة قراءة جميلة للمقارنة السريعة بين الرّوح الشعرية الأمريكية، والرّوح الشعرية الفرنسية.

بعد التوغل في قراءة الصدفة هذه، سأنحاز للشعر الفرنسي، وغنائيته أو حميميته التي تشبه في الكثير من الأحيان دفء الشعر العربي، وربما يشعر القارئ إذا كان في مثل هذه الحالة من المطالعة المتوازية ببعض الجفاف عند باوند، في حين قد يطرب إلى كثرة النساء عند بودلير هذا المظلوم دائماً بأزهار الشرّ وعلاقته المضطربة بأمّه، في حين أنه كان شاعر حب بامتياز بحسب ترجمة الشاعر المصري رفعت سلّام. أما رسائله إلى أمّه، فتشعّ دائماً بالرفق والحنان.. اقرأ والت ويتمان الذي يبدو لنفسه كأنه اكتشف أمريكا، كما أن أمريكيته طاغية طغياناً قريباً من (العنصرية) في مجموعته «أوراق العشب».

في مذكراتها التي جاءت تحت عنوان «حياتي»، تذكر الراقصة الأمريكية إيزادورا دونكان (التي لا تحب الباليه)، أنها التقت والت ويتمان. تقول: «ذات يوم عظيم من أيام أكتوبر، في جوّ خريفي لا مثيل له إلاّ في نيويورك، قال لي والت ويتمان حيث وقفنا معاً خارج الاستوديو الخاص به، فوق تلّ نتطلع إلى المدينة وأنا فاتحة ذراعيَّ أستنشق عبيرها (أي عبير نيويورك): سمعت أمريكا تغني (هكذا قال لها ويتمان)، فيما ردّت هي قائلة: أرى أمريكا ترقص».

كان هذا اللقاء بين الراقصة (1877-1927) والشاعر في أواخر القرن التاسع عشر، وربما كانت نيويورك آنذاك فعلاً تغني وترقص، غير أن الأمر اختلف كلياً حين كبرت أو توحشت أمريكا وتوحّشت معها نيويورك، وليس أنا من رأى أو قال، بل اثنان من شعراء العالم الكبار: لوركا الذي زار أمريكا وعاد إلى غرناطة خائباً ومكسور القلب من مدينة لا توجد فيها أرواح ولا يوجد فيها غجر يصعدون إلى جبال الزيتون عند الفجر، أما الشاعر الآخر، فهو عربي هذه المرّة: أدونيس الذي كتب «قبر من أجل نيويورك».

لم يكتب شعراء كبار في العالم عن باريس مثلما جرت الكتابة عن نيويورك بمثل خيبة الأمل تلك عند لوركا على الأقل، ومع ذلك اقرأ ما كتبه رامبو في قصائد متفرّقة عن باريس أو ما قاله بودلير: «مركز إشعاع الحماقة الكونية» عن مدينة الأنوار في أوروبا الشابة آنذاك، أيّام تلكما الشاعرين (الحارّين) في بلد بارد.

أين يكمن سرّ الشعر؟ هل هو في المدن، أم في الريف، أم في بطن الشاعر بشرط ألّا يكون في مثل شراسة رعيان البقر؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3wurrxpv

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"