عادي

فوز بوتين.. وشهادات «حسن السلوك»

23:37 مساء
قراءة 4 دقائق
فوز بوتين.. وشهادات «حسن السلوك»

كتب- المحرر السياسي

في نتيجة لم تكن غير متوقعة اكتسح الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، صناديق الاقتراع حاصداً نسبة زادت عن 87% من أصوات الناخبين، ومجدداً ولايته للمرة الخامسة. وكانت النتيجة هي الأكثر منطقية في روسيا التي تدير حرباً ضروساً ضد خصومها المفترضين من التحالف الغربي بقيادة واشنطن التي توزع شهادات «حسن السلوك» السياسي على حكومات العالم.

كان طبيعياً أن تحظى نتيجة الانتخابات باهتمام عالمي ليس فقط بسبب منعكساتها على الحرب في أوكرانيا المرشحة للتحول إلى صراع عالمي مفتوح، بل في ظل حملات التعبئة الجماهيرية المغرضة التي تنظمها وسائل الإعلام الغربية والتي تهدف إلى تصوير الديمقراطية الليبرالية على أنها النظام السياسي المثالي، وأن ما عداه من الأنظمة إما أنه «استبدادي» أو عفا عليه الزمن.

ورغم أن عدداً من التجارب التي مر بها العالم برهنت على فشل الديمقراطية الغربية في إدارة عدد من الأزمات والتي كان آخرها مواجهة تفشي وباء كورونا، ونجاح الأنظمة الأخرى في تحقيق نتائج أفضل خاصة في ما يتعلق بحل الأزمات التي تنتج عن نزاعات عسكرية محدودة، إلا أن قوالب الأحكام الجاهزة التي اعتمدتها وسائل الإعلام الغربية ثابتة وغير قابلة للتعديل رغم ما يعتريها من عيوب.

  • أعلى نسبة تصويت

وقد وصل إقبال الناخبين في الانتخابات الرئاسية الروسية، بما في ذلك التصويت عبر الإنترنت، إلى أعلى مستوى له عند 77 في المئة، وهي أعلى نسبة في البلاد منذ عام 1991، بحسب لجنة الانتخابات المركزية. ويرى المراقبون في نسبة الإقبال هذه دليلاً على شعور الروس بأهمية الدور الذي يلعبه الرئيس بوتين في مواجهة خصوم بلاده خاصة لجهة ضبط الأوضاع الداخلية، والسيطرة على إدارة الجيش وتوجيه الاقتصاد، وهما أمران أساسيان في تعزيز الصمود والمواجهة.

وتعتبر نسبة 87 في المئة التي حصل عليها بوتين نسبة فلكية، على الرغم من أنها لن تقنع الزعماء الغربيين بأنها انعكاس حقيقي لمستوى شعبيته الحالي.

ولا شك في أن النتيجة مهمة بالنسبة لبوتين، حيث تحققت بعد أقل من عام على التمرد القصير والمثير الذي قامت به مجموعة فاغنر، وشكلت تلك الانتفاضة، التي قادها يفغيني بريغوجين، تحدياً مباشراً لسلطته.

وعكس المؤتمر الصحفي الذي عقده بوتين بمناسبة فوزه، تلك الثقة التي يتمتع بها في أوساط الروس بوضوح.

ومما لا شك فيه أنها تضاف إلى سجل حافل من الإنجازات التي تحققت على مدى ربع قرن، في ظل زعيم روسي هو الأطول خدمة منذ كاثرين العظيمة، وهي ثقة زعيم بنى نظاماً سياسياً منحه 87 في المئة من الأصوات.

وقد تحدث بوتين بثقة عن التقدم الذي أحرزته روسيا في الحرب بأوكرانيا، حيث قال إن زمام المبادرة بشكل «كامل» أصبح بيد روسيا التي ستكون أقوى بعد الانتخابات.

  • انزعاج غربي وترحيب صيني

وانهالت برقيات التهنئة على بوتين من حلفاء روسيا بما في ذلك الصين والهند، على فوزه بفترة خامسة في السلطة، لكن القوى الغربية نددت بالانتخابات ووصفتها بأنها غير شرعية وأجريت في ظل ظروف قمعية دون معارضة ذات مصداقية.

وقالت بكين إن البلدين «شريكان استراتيجيان في العصر الجديد» وأن النتيجة «تعكس بالكامل دعم الشعب الروسي». وينبع الموقف الصيني من استراتيجية أوسع نطاقاً تجمع البلدين الصديقين في موقف واحد يسعى إلى وضع نهاية للقطبية الأحادية وتعزيز مشاريع التعاون الدولي لتحقيق الاستقرار ومعالجة الكثير من الأزمات التي يواجهها العالم اليوم نتيجة التعنت والهيمنة الأمريكية.

وقدم رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي «تهانيه الحارة» لبوتين، مضيفاً أنه يتطلع إلى تطوير العلاقة «المميزة» بين البلدين. ومن الطبيعي أن تحرص الهند على علاقات جيدة مع روسيا وهي التي تمنعت عن إدانة الحرب الروسية في أوكرانيا انطلاقاً من سياسة التوازن التي تنتهجها في علاقاتها مع الغرب من جهة ومع الروس والصينيين من جهة ثانية.

وقال الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون إن الناخبين الروس أظهروا «دعمهم وثقتهم التي لا تتزعزع» في بوتين. وترتبط بيونغ يانغ مع روسيا بعلاقات خاصة طويلة الأجل وهناك عامل مشترك معلن يتمثل في العداء لواشنطن.

وفي الجانب الآخر من الصورة رفضت القوى الغربية الانتخابات ووصفتها بأنها «غير حرة ولا نزيهة».

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل: «كانت هذه عملية غير ديمقراطية إلى حد كبير»، مشيراً إلى قمع المعارضة ووسائل الإعلام. ولا شك في أن هذا ينسجم تماماً مع موقف الغرب عموماً بزعامة واشنطن، حيث يرى في خسارة بوتين للانتخابات ممارسة صحيحة للعملية الديمقراطية، أما فوزه فيمثل خرقاً صريحاً لقواعدها.

وقالت دول الاتحاد الأوروبي في بيان مشترك إن الروس حرموا من «خيار حقيقي» بعد استبعاد جميع المرشحين المعارضين للحرب في أوكرانيا من ممارسة حقهم الدستوري في الترشح. و«الخيار الحقيقي» الذي يتمناه الاتحاد الأوروبي ربما يعني ثورة برتقالية أو متعددة الألوان، تحمل إلى الكرملين شخصية تنفذ الإملاءات التي تضمن مصالح الأوروبيين، وهو أمر بات يدركه الناخب الروسي جيداً.

وتمنت العديد من القوى في الشرق الأوسط لبوتين التوفيق بعد التصويت. وقالت الرئاسة التركية إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هنأ الرئيس الروسي على إعادة انتخابه وعرض التوسط بين موسكو وأوكرانيا.

ووسط هذه الخارطة المعقدة من العلاقات الدولية المتشابكة، ربما يكون نجاح بوتين وحصوله على نسبة تأييد مرتفعة ضماناً لناخبيه ضد الاحتمالات الصعبة التي لا تزال الحرب تفرضها.

وإذا أضيف إليها نجاح موسكو في تجاوز تأثير العقوبات الغربية والمحافظة على تماسك اقتصادها وثبات قيمة عملتها، فقد تكون نتيجة الانتخابات حجة قوية يحصل عليها بوتين تزيد من رصيد قوته في المواجهة التي لا تبدو نهايتها مع الغرب وشيكة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3ffd58cs

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"