عادي
الذكاء الاجتماعي

سامح أنت الرابح

23:56 مساء
قراءة 4 دقائق
1
سالم بن ارحمه الشويهي

د. سالم بن ارحمه
التسامح من القيم العظيمة التي يدعو إليها الدين الإسلامي، والمعاملة بالحسنى واللين مبدأ إنساني وواجب شرعي، قال الله تعالى: «خُذِ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين». هذه الآية اختصرت فن التعامل مع الناس، وقال الإمام جعفر الصادق: «ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية».

والنبي، صلى الله عليه وسلم قال: «اسمح يُسمح لك». أي: عامل الناس بالمسامحة، يعاملك الله سبحانه بمثله في الدنيا والآخرة، فيسمح الله لكم في الدنيا بالإنعام، وفي العقبى بعدم المناقشة في الحساب ولذا قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: «اطلبوا العفو من الله، العفو عن الناس».

ينبغي أن نسعى إلى التسامح مع من حولنا: من أهلنا، وأقاربنا، وأصدقائنا، ومعارفنا.. فهذا عمل عظيم، وثوابه جزيل وكما تعامل الخلق يعاملك الخالق.

ذكر الذهبي في تاريخه في ترجمة مسعود الهمذاني أنه كان كثيراً ما يقول: «الماضي لا يُذْكَر» أي: كثير العفو عن الناس، فرئي في المنام بعد موته، فقيل له: ما فعل ﷲ بك؟ قال: أوقفني بين يديه، وقال لي:«يا مَسْعُود الماضي لا يُذْكَر، انطلقوا به إلى الجنَّة».

‏أتطلبُ من أخٍ خُلقاً جليلاً

وخَلْقُ الناسِ من ماءٍ مَهينِ

فسامحْ إِن تكَّدَرَ وُدُّ خِلٍ

فإِنَّ المرءَ من ماءٍ وطينِ

من عاشر الناس بالمسامحة، زاد استمتاعه بالحياة فالتسامح فيه الراحة والهناء، وهو أعظم علاج على الإطلاق، فإن أردت أن تمنح نفسك الصحة والعافية فسامح الناس، فالمسامحة هي عملية تتشافى بها روحك تخلّقِ الصفحَ تسعدْ في الحياةِ به فالنفسُ يسِعدُها خلقٌ ويشقيها وكما قيل:«أعقل الناس أعذرهم للناس». العفو شيمة الأقوياء، وخلُق الكرماء، وديدَن العظماء، وشيم الكبار «فاصفح الصفح الجميل»، فالعفو من معاني التسامح التي ينال صاحبها أجراً عظيماً، قال سبحانه: «فمن عفا وأصلح فأجره على الله»، فالحياة أقصر من أن نقضيها في تسجيل الأخطاء التي يرتكبها غيرنا في حقنا أو في تجرع الشحناء في قلوبنا. وكلما زاد إيمانك بلقاء ربك، زاد عفوك وصفحك وقلّ انتصارك لنفسك، فالمنشغلون بالآخرة لا وقت لديهم للعداوات وتوافه الأمور. قال تعالى: «وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل» أي: بلا عتاب معه.

شتم رجل عمر بن عبدالعزيز فقال له: «لولا يوم القيامة لأجبتك»، فتذكر أهوال القيامة يعيد الأشياء إلى حجمها الحقيقي.

التسامح راحة للقلب، وأمان من ويلات الغضب، ويوفر تكاليف الكراهية..

سامحْ صديقكَ إن زَلت به قَدمٌ

فليس يَسلمُ إنسانٌ مِنَ الزّللِ

من عاشر الناس بالمسامحة، زاد استمتاعه بهم والتسامح يغرس المحبة في النفوس، ويحول الخصومة إلى مودة، والعداوة إلى محبة، قال تعالى: «ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم».

وإذا أردت الخيرية فكن أنت المبادر فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول:«لا يحل لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاثٍ، يلتقيان فيُعرض هذا، ويُعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»، فتصفية الحسابات تُغضب الرب، وتُمرض القلب، ولا تخلو من فجور، والرابح فيها خاسر لا مَحَالَة.

وما انتقم أحد قطُّ لنفسه إلا أورثَه ذلك ذُلاً يجده في نفسه، فإذا عفا أعزّه الله، وهذا مما أخبر به الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام حيث قال: «ما زاد الله عبداً بِعفوٍ إلا عزاً».

‏والتسامح أكبر مراتب القوة، وحب الانتقام أول مظاهر الضعف، أما يخشى الذي يكابر ويتعنت ويأبى المسامحة وبالذات مع أرحامه ويقول:«والله لا أسامحه إلى يوم الدين»؛ أن يصدق عليه حديث النبي:«إن أبغضَ الرجالِ إلى اللهِ الألدُّ الخَصِمُ»! وأن يناله قول الله تعالى:«فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم».

والحياة أقصر من أن تُضِيعها في عداوات، وتصفية حسابات، وتَوَهُّم انتصارات! ففِرَّ من الأجواء الموبوءة فِرارَك من الدنَّس، وحافظ على طهارة روحك، حتى تلقى ربك بقلبٍ سليم، فإن وغر الصدر أشد الأمراض فتكاً في الحياة. ولذا، من النعيم المعجل سلامة الصدر وهو من نعيم أهل الجنة قال تعالى:«ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين»، فمن أراد أن يتعجل شيئاً من نعيم الجنة فليكن صدره سليماً لإخوانه المسلمين، ‏فلا أجمل في الحياة من «السلام الداخل فحذار أن تدخل في معارك مع أرحامك وأقاربك.. فهذه المعارك المنتصر فيها مهزوم، ثم يتوارث هذه المعركة الأبناء والأحفاد.

يا ليتك اليوم تقطع حبل الخصام

وتراجع قبل روحك تطلع لباريها

ياللي تكابر ولا تبي وصل الأرحام

لا تورث الحقد لعيالك وتعميها

سامح، على أي شيء تختلف مع أخيك أو قريبك وأرحامك؟ على دراهم وإن كثرت أو على كلمات وإن عظمت؟ قال الإمام أحمد رحمه الله:«سامح أخاك وما ينفعك أن يعذب الله أخاك المسلم بسببك». وإذا الصديق أساء فيك بجهله فاصفح لأجل الله ليس لأجله المسامحة هي عملية تتشافى بها روحك وتسمو بها نفسك و«أعقل الناس أعذرهم للناس»، فسامِحْ.. صافِحْ، أنتَ الرابح.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4kbpy7d8

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"