متعصب في ولائي

00:21 صباحا
قراءة 4 دقائق

قليل من الشخصانية من وقت إلى آخر، مطلوبة لكاتب ولد وترعرع في دولة كدولة الإمارات العربية المتحدة، خاصة أن هذه الشخصانية تحمل همّاً جماعياً، وبذلك تتحول إلى وطنية وليست أنانية، خاصة أيضاً، أنني كمواطن في دولة أصبحت النموذج في التنمية المحلية، والعلاقات الخارجية المزدهرة، والشجرة المثمرة تتعرض دائماً، إما إلى الحسد الفردي والجماعي، أو لحجارة الصبية الصغار، أو أحقاد الصبية الكبار أيضاً.

أقول، إنني ككاتب في صحيفة محترمة، لا بد أن أصرف وقتاً غير قليل في المتابعة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكفرد، جزء من مجموع، من مجتمع، من شعب، والإمارات العربية المتحدة، جزء من وطن ينطق بالضاد، ولديه روابط استراتيجية مع هذا الوطن، إقليمياً وقومياً، وعالمياً، وطن يتأثر بمحيطه الجغرافي والإنساني، ويؤثر أيضاً في هذا المحيط.

من هذا المنطلق، الذي ننتمي إليه محبة وطوعاً، المنطلق الوطني والعقائدي والبشري، كنت أتابع سياسياً الأحداث الكبيرة في المنطقة العربية، ما يحدث منذ أكثر من ستة اشهر في قطاع غزة بشكل خاص، وفي فلسطين بشكل عام، وفي الدول المحيطة بفلسطين بشكل أعم، وما يحدث داخل إسرائيل من تحولات ونقاشات، وعلاقتها مع الولايات المتحدة، التي تبدو منسجمة حيناً، ومضطربة أحياناً، من دون التوصّل إلى الأسباب الجوهرية، لهذا الانسجام أو الاضطراب، رغم التحالف المصيري بين الدولتين، وكنت، في السياق ذاته، أتابع مفاعيل الهجوم الإيراني الأخير على إسرائيل، خاصة أنه الأول من نوعه، من حيث الفعل، وحجم الفعل، لا سيّما أن عشرات المسيّرات والصواريخ استُخدمت في الهجوم، وأتابع بشكل أدق التحليلات التي اتسمت بالصبيانية حيناً والمغرضة أحياناً أخرى، بحيث وصف البعض ما حدث بالمسرحية، واستخفوا بالفعل ذاته وذكروا أسباباً عجيبة وغريبة وصلت إلى حد الاستهزاء والتنمّر، وهو ما يخالف منطق وأدبيات التحليل السياسي.

ولا أدري ما كان يتمناه هؤلاء، هل كانوا ينتظرون أن يفضي الهجوم إلى دمار كبير وخسائر في الأرواح والممتلكات، حتى تقوم إسرائيل برد أقوى، وتحدث دماراً في إيران، لتندلع حرب لن يسلم منها أحد، إذ لن تتوقف مفاعليها وآثارها على الدولتين، فقد تشمل المنطقة والعالم بأسره، نظراً للتحالفات، وقد تتسبب بحرب عالمية ثالثة. ولا أدري هل كان سيفرح هؤلاء لو اندلعت حرب شاملة، إقليمية أو عالمية، والحمد لله أن الأمور توقفت عند هذا الحد، ولم يتم تصعيد التوتر.

وكنت أتابع أيضاً بعض الأقلام التي انبرت وكالت الاتهامات لدول إقليمية، واتهمتها بالخيانة، حتى أنها أخرجتها من الملة، ومرة أخرى، هي تحليلات لا تفهم طبيعة العلاقات الدولية، أو طبيعة التحالفات والاتفاقيات، ولا تدرك معنى لجم الأحداث وحصرها في نطاق محدود، وتجنيب المنطقة الويل والدمار.

وفي هذا السياق أيضاً، وبعد هذه الفترة الزمنية مباشرة، تتعرض دول خليجية إلى ظروف مناخية قاسية، ربما هي الأولى من نوعها، من حيث قوة الأمطار وكثافتها، وحجم الرياح وسرعتها، ومرة أخرى انبرت الأقلام الحقودة لتصب جام حقدها وكراهيتها على هذه الدول، وتتشفّى بها، إلى درجة وصفها بالغضب الإلهي، وهي لغة سخيفة جداً نابعة من حسد وشماتة وحقد على هذه الدول، وهم لا يعرفون ماذا يعني الغضب الإلهي، ولو أردنا استخدام اللغة ذاتها، لقلنا إن تخلّف بعض الدول وعدم تنميتها، وانتشار الفساد في مفاصلها، هو غضب إلهي أيضاً، لكننا لن ننحدر إلى هذه الشعوذة والتفاهة الفكرية، ولو راقبوا جيداً كيف تصدّت دولة كالإمارات العربية المتحدة، للظروف المناخية القاسية، وكيف استنفرت كل طاقاتها، للتعامل مع الأمطار والأعاصير والعواصف، أو كيف تعاملت مع ما صنعته من تحديات، لعبّروا عن إعجابهم الشديد والكبير، في كيفية إدارة الأزمة، وكيف أن رجال الدفاع المدني والشرطة المرورية والجيش وكافة قطاعات العمل، بذلوا قصارى جهودهم، للمحافظة على البنية التحتية، خاصة الكهرباء وإمدادات المياة، وشبكة الإنترنت.

وقد تابعت عن كثب الاستجابة الفورية للفرق كافة، وهي استجابة احترافية ونوعية اقتربت من تطبيق أغلى معايير الجودة في الإنقاذ والحماية، وإعادة الحياة إلى طبيعتها، خلال فترة وجيزة، إذ رقد الناس على مشهد الفيضانات، والمياه تتجمع في الشوارع والأنفاق وتحت الجسور وحول البنايات، ليستيقظوا في اليوم التالي على مشهد مختلف كليّاً، كأن شيئاً لم يحدث، وشملت الرعاية حتى الحيوانات العالقة، وهنا تتوقف اللغة، والبلاغة والوصف، لتسود الإنسانية ويطفو الإحساس بالمسؤولية الأخلاقية والمجتمعية.

وإننا مهما استخدمنا من بيان اللغة وبلاغتها لمديح الفرق العاملة في أوقات الكوارث والأزمات، لن نفيها حقها، ونحن نعلم أن تلك الجموع االبشرية لا تنتظر مدحاً ولا شكوراً، لأنها تقوم بمهمتها الوطنية والأخلاقية.

إنني أفخر كوني مواطناً في دولة تبذل قصارى جهدها لتوفّر الحماية لكافة أفراد المجتمع، في أوقات الكوارث الطبيعية، وفي الأزمات، وأتذكر هنا، استجابة حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة في أثناء انتشار فيروس كورونا، ومستوى الرضا والاطمئنان الذي اختبره المواطنون والمقيمون على حد سواء.

ولي الحق أن أكون متعصباً في محبتي لدولتي، وموالياً ومنتمياً لأبعد حدود هاتين المفردتين لقيادتي وشعبي، لأنه حب وانتماء وولاء مستند إلى كل ما يجعل الرأس شامخاً. فشكراً لكل رجل ساهم في إدارة الأزمة بنجاح وحب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3tre7bbn

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"