عادي

تعرف إلى أسباب صعود وهبوط العلوم العربية

20:04 مساء
قراءة 4 دقائق
العلوم العربية في عصرها الذهبي

القاهرة: الخليج

يقدم أحمد جبار في كتابه «العلوم العربية في عصرها الذهبي» (ترجمة د. محمد نعيم) إجابة عن السؤال: كيف أنقذت العلوم العربية المعارف القديمة وأعطتنا النهضة؟، كما يقدم نظرة شامل عن وضعية العلوم العقلية في الحضارة العربية الإسلامية منذ البدايات الأولى لتشكيل نسيج هذه الحضارة التي صارت بمثابة الحاضنة للموروثات العلمية للحضارات القديمة البابلية والهندية والفارسية واليونانية.

المقصود هنا بالعلوم العربية هو مجموع الإنتاجات والممارسات العلمية المنجزة في قسم كبير منها باللغة العربية طيلة تسعة قرون، من القرن الثامن إلى القرن السادس عشر الميلاديين، وهذه العلوم وإن كانت تعود في أصلها إلى الحضارات القديمة التي ذكرنا، فإنها تتميز في أغلبها بكونها تخاطب الإنسان من حيث هو كذلك بغض النظر عن انتماءاته العرقية والدينية والثقافية.

وهكذا - كما يرى المؤلف - فإن عبارة عربية إسلامية ذات دلالة حضارية لا دلالة دينية أو عرقية ضيقة، إذ المقصود بالعرب المسلمين كل المنتمين إلى الحضارة العربية الإسلامية من مختلف الأجناس (عرب، هنود، فرس، بيزنطيون، يهود) وليس الجنس العربي وأيضاً من كل الملل، وليس الملة الإسلامية لأن هذه الحضارة تميزت على المستوى الرسمي بعروبة اللسان وإسلام العقيدة.

وعليه فكل ما تم إنجازه من علوم عقلية كان أغلبه بالعربية وحصل في إطار رقع جغرافية تابعة للحضارة الإسلامية، أي أن هذه الأنشطة العلمية والفلسفية قد تمت في مراكز ومدن تابعة للدولة الإسلامية، ولم يكن منجزوها بالضرورة من أصول عربية أو من ذوي العقيدة الإسلامية.

*قضية

أفرد هذا الكتاب حيزاً مهماً لقضية شغلت مؤرخي العلوم ولا تزال تشغلهم إلى اليوم، والمقصود هو كيفية انتقال العلوم العقلية إلى فضاء الحضارة العربية الإسلامية، وزمن هذا الانتقال، فمن الواضح أن زمن انتقال الفلسفة والعلوم العقلية إلى فضاء الحضارة العربية الإسلامية مسألة يلفها كثير من الغموض وليس بين أيدي الدارسين أدلة صلبة يمكن التعويل عليها في إصدار أي حكم قاطع ونهائي.

يمكن القول: إن زمن الترجمات العربية لنصوص الحضارات القديمة غير محدد بشكل دقيق، فرغم أن كثيراً من المصادر العربية قد عمل على ربط زمن الترجمات العربية القديمة للنصوص القديم ببيت الحكمة، وعصر الخليفة المأمون، فإن الدراسات المعاصرة المتخصصة والجادة أعادت النظر في هذا الادعاء، وبينت أن الترجمات العربية أنجزت قبل عصر الخليفة المأمون، وهذا يعني أن زمن اطلاع العرب المسلمين على علوم الحضارات القديمة يعود إلى الفترة الأولى من عصر الفتوحات الإسلامية واحتكاك المسلمين بغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى.

*بداية

تفيدنا المصادر العربية بأن ترجمة الكتب الفلسفية والعلمية ومنها الطبية والفلكية والكيميائية بدأت في العصر الأموي وتخبرنا بأن الأمير خالد بن يزيد بن معاوية كان أول من اشتغل بعلوم الأوائل، وقد حاول أحمد جبار في هذا الكتاب أن ينير هذه النقطة المتعلقة بزمن الترجمة العربية.

وعلى المستوى المنهجي عمل جبار على الجوانب الاجتماعية والثقافية والأيديولوجية لفهم نشأة العلوم وتطورها في البيئة الإسلامية، إذ إن الدراسة التاريخية والسوسيو- ثقافية للبلدان التي صارت جزءاً من البلاد الإسلامية بعد الفتوحات قد تسعف مؤرخ العلوم في معرفة الكيفية التي حصل بها انتقال هذه العلوم.

من الأمور التي ركز عليها في هذا الشأن أن المشتغلين بالفلسفة والعلوم من أتباع الحضارات المختلفة الذين صاروا بعد الفتح تحت رعاية الإمبراطورية الإسلامية قد استأنفوا أنشطتهم العلمية في ظل هذه الإمبراطورية نظراً لما توفر لهم من أجواء ملائمة ومن رعاية وتشجيع من قبل حكامها، وفي الوقت نفسه اهتموا بنقل ما كان متوافراً من نصوص فلسفية وعلمية بلغاتهم الأصلية إلى اللغة العربية.

*تحولات

كما كان للتحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي عرفتها الإمبراطورية الإسلامية خصوصاً في العصر العباسي الأول آثار ثقافية ساعدت بشكل كبير على تبني أنماط حياتية جديدة من بينها الاهتمام بالعلوم العقلية.

في نهاية كتابه يتساءل أحمد جبار عن الأسباب التي يمكن أن تكون وراء ظاهرة أفول الحضارة العربية الإسلامية، ويرى أن من بينها الحملات الصليبية التي جرت ابتداءً من نهاية القرن الحادي عشر إلى نهاية القرن الثالث عشر، وحروب الاسترداد في شبه الجزيرة الأيبيرية وصقلية، وكانت أول نتيجة ملموسة لهذه الأحداث هي انكماش المجال الجغرافي للإمبراطورية الإسلامية.

العامل الثاني يتعلق بالتراجع التدريجي للاحتكار الإسلامي للتجارة في حوض البحر الأبيض المتوسط، والعامل الثالث كان له تأثير نفساني في سكان الإمبراطورية الإسلامية أكبر بكثير من العاملين الأولين بسبب هول الأحداث التي طبعته، ويتعلق الأمر بالغزو المغولي الذي بدأ مع مطلع القرن الثالث عشر تحت قيادة جنكيز خان.

هناك بالطبع عوامل داخلية لعبت دوراً مباشراً في تسهيل أو تسريع وتيرة تباطؤ الأنشطة العلمية، فقد بدأ النموذج التنموي يظهر علامات الوهن وعرفت الطرق التجارية الداخلية اضطرابات عميقة، وازداد الوضع سوءاً بسبب ندرة بعض المواد الأولية مثل: الخشب والحديد والذهب، الأمر الذي أدى إلى أفول بعض المدن اقتصادياً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ytuhnhhe

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"