عادي

خريطة جغرافية للإحساس بالوقت

23:28 مساء
قراءة دقيقتين

لا يتحدث كتاب عالم النفس الاجتماعي الأمريكي روبرت لافين وعنوانه «جغرافيا الوقت» ترجمة رمضان عبد الستار، عن الجغرافيا ولا الوقت، فهو أقرب إلى الأنثروبولوجيا، وهي أيضاً ليست أنثروبولوجيا دقيقة تقوم على معايشة الثقافات بقدر ما تقوم على سرديات أو حكايات، نقلها الكاتب في معظم الأحيان عن أناس يعرفهم، أو طلاب يدرسون في جامعات أمريكية.

يميل الكاتب للزمان على حساب المكان، وللوقت على حساب الجغرافيا، ويسرد معاملات الاختلاف بين الثقافات في تقدير مفهوم الوقت، والتعامل معه، مع التركيز على الجوانب النفسية التي تؤثر في إدراك الوقت لدى الأفراد، رغم أن ذلك قد أدى إلى انحراف تأويلات المؤلف في بعض الأحيان، فالتركيز في الكتاب على الوقت الفيزيقي أو الطبيعي فقط دون التعرض بالشكل الكافي لمستويات أخرى من الزمن التي يعد الوقت أحد تجلياتها، مثل الزمن اللاهوتي أو الزمن الشعوري.

تغيب عن الكتاب التساؤلات التي تعمل على تشغيل ذهن القارئ وتحثه على التفاعل مع موضوع مهم مثل الوقت، لكن تغلب عليه الإجابات التقريرية والاعتماد على الإحصائيات والمبالغة في سرد الأرقام، ومن المعروف أن الإحصائيات في كثير من الأحيان توشي بخلاف ما تفصح عنه، وحتى عندما عرج مؤلف الكتاب على البعد اللاهوتي اقتصر حديثه على جوانب محدودة جداً، ولم يتعرض لتساؤلات تضرب بجذورها في تاريخ الفكر حول مفهوم الزمن في الأديان كفكرة، وليس تفصيلاً لشريعة، كما فعل الكاتب في جزء محدود من الكتاب.

يركز الكتاب على الربط بين الوقت ومفهوم الإيقاع، والإيقاع مفهوم موسيقي بل هو الموسيقى ذاتها، وقد تتغير الألحان ويبقى الإيقاع ثابتاً، وكذلك قد تتغير الحياة والبشر، ويبقى إيقاع الحياة ذاتها، والإيقاع هو سرعة العزف التي قد تكون بطيئة أو سريعة، الإيقاع البطيء أصعب في عزف الموسيقى بغير ما يظن أغلب الناس، فالسرعة مهارة تأتي مع الوقت، لكن الألحان الدقيقة لا تأتي إلا على إيقاع بطيء.

يقع الكاتب في كثير من الأحيان تحت أنماط التصنيف والقولبة الجاهزة وأهمها التصنيف ما بين دول العالم الأول ودول العالم الثالث، فيضع الشعوب الغربية في جانب والشعوب الآسيوية والإفريقية في جانب آخر، ولا تخلو تلك النظرة من سطحية متأثرة بآليات التصنيف المعاصر دون اعتبار للنسبية المطلقة لمثل تلك التصنيفات، وآليات تشكلها عبر تاريخ طويل من فرضيات الثقافة الرأسمالية.

الكتاب كله يسير في تأكيد نسبية التعامل مع الوقت ما بين الثقافات، غير أن لغة الكاتب لا تخلو من سخرية واضحة تقوم في الأساس على أن الإنسان الغربي أكثر احتراماً للوقت عن غيره، مع أن فكرة احترام الوقت يمكن النظر إليها على أنها إحدى آليات تشكيل الصورة العامة للإنسان الغربي كترس من تروس الساعة، يفقد معه الاهتمام بالحياة ذاتها وجماليتها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2b5xhzuk

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"