فن الصمت

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين

في عصر يطغى فيه الضجيج والفوضى على كل مكان، من الشوارع المزدحمة إلى الفضاء الرقمي المتشبع بالمعلومات، يبرز فن الصمت كملاذ للروح ومنقذ للعقل، إنه الصمت، ذلك الكنز المنسي، يحمل في طياته قوة عظيمة قادرة على تحويل حياتنا بطرق لا يمكن تخيلها.

في مجتمعنا المعاصر، تُقاس قيمة الفرد غالباً بمدى نشاطه وإنتاجيته، حيث يُعتبر الصمت ضعفاً أو إهداراً للوقت، ومع ذلك، تكمن أهمية الصمت في قدرته على فتح أبواب الوعي والإبداع والتجديد الذاتي، ويمنحنا الصمت فرصة للتأمل والتفكير للابتعاد عن ضوضاء العالم والغوص في أعماق ذواتنا، حيث توجد الأجوبة التي طالما بحثنا عنها خارجنا.

الصمت ليس مجرد غياب للصوت؛ إنه حالة من الوعي والحضور. في الصمت، نجد السكينة التي تسمح لنا بملاحظة أفكارنا ومشاعرنا دون حكم أو تشتيت، وهذا الوعي يعزز من قدرتنا على التحكم في ردود أفعالنا واتخاذ قرارات أكثر حكمة وتعقلاً.

في البحث عن السلام الداخلي، يعتبر الصمت أداة قوية للتخلص من التوتر والإجهاد، فهو يخلق مساحة للجسد والعقل للراحة والتجدد، ما يؤدي إلى تحسين الصحة العقلية والجسدية، بل إن الصمت يعلمنا الصبر والتسامح، ويساعدنا على بناء علاقات أعمق مع الآخرين، فمن خلال الاستماع بنشاط وصمت، نصبح أكثر تعاطفاً وفهماً.

علاوة على ذلك، يفتح الصمت الباب أمام الإبداع، ففي صمت العقل تولد الأفكار العظيمة والحلول المبتكرة، وكثير من العلماء والفنانين والكتاب وجدوا في الصمت مصدر إلهامهم وقوتهم الإبداعية، يقول المؤلف الأيرلندي الشهير برنارد شو:«عليك بالصمت من بين كل الفضائل».

ولكن كيف نمارس فن الصمت في عالم يبدو أنه لا ينام؟ البداية تكون بإدراك قيمة اللحظات الهادئة والسعي لخلقها في حياتنا اليومية، يمكن أن تبدأ بمجرد دقائق قليلة من الصمت كل صباح، أو بتخصيص وقت للتأمل والتفكير بعيداً عن الأجهزة الإلكترونية وضوضاء الحياة اليومية.

في خضم الحياة المزدحمة والمتطلبات المستمرة، يعد فن الصمت دعوة للعودة إلى جوهرنا الحقيقي، إنه يذكرنا بأن الهدوء والسكينة ليستا فقط حالات يمكن تجربتها في الخارج، بل هما حالة يمكن أن تعيش في داخلنا، مهما كانت الظروف المحيطة، وفي الصمت، نجد القوة والسلام والوضوح، وهي هدايا لا تقدر بثمن في عصر الضجيج الذي نعيش فيه.

[email protected]

www.shaimaalmarzooqi.com

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p9sm2vu

عن الكاتب

مؤلفة وكاتبة وناشرة، قدمت لمكتبة الطفل عدة قصص، وفي أدب الكبار أنجزت عدة روايات وقصص قصيرة، ونصوص نثرية. حازت على عدة جوائز أدبية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"