عادي
في شاعرية البصر

«القلم» يمجد جمالية الحرف

23:12 مساء
قراءة 3 دقائق
محمد حسونة

الشارقة: جاكاتي الشيخ
يظهر الفنان محمد حسونة من خلال أعماله الفنية، كواحد من الفنانين الحروفيين الذين يبدعون في تقديم جماليات الخط العربي من خلال مزجها بالفن التشكيلي المعاصر، وهو فنان عشق الخط في ريعان شبابه، واشتغل على موهبته مبكراً، تنتشر لوحاته في أماكن مختلفة، ويشارك في العديد من المعارض في مصر وخارجها، حيث حصد خلال مسيرته عدة جوائز.

يتميز حسونة بغلبة خط الثلث على لوحاته، نظراً لما يجد في صعوبته من متعة الإنجاز المبتكر، بالإضافة إلى أنه يخط بالأساليب الخطية الأخرى، وخاصة الفارسي والديواني، ويشتغل في كل أعماله على إبراز الجمالية التشكيلية للحرف العربي، من خلال اختياره لأروع الكلمات والمضامين التي تمكنه من عكس ما تختزنه اللغة العربية من طاقة إبداعية لا محدودة؛ تمزج بين عمق المعاني وفخامة النصوص، وهو ما عمل عليه في اللوحة التي نقدمها هنا، وهي نص الآية القرآنية الكريمة: «ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ» بخط الثلث.

عظمة

صمم حسونة لوحته هذه بحيث تجمع بين الخط العربي والفن التشكيلي، كدأبه في الكثير من أعماله، وقد كتب نصها بخط الثلث لما يتمتع به من جمالية تُرغّب في مزجه مع الفن التشكيلي، من خلال ما تمنحه مرونة حروفه وكلماته من قدرة على التشكيل البصري، بالإضافة إلى إمكانية منحها أشكالاً مختلفة، بالاستدارة والاستطالة والبسط، وقد ساعده نص هذه الآية الكريمة على توظيف كل تلك الخصائص كأحسن ما يكون، ليقدم عملاً فنياً متقن التنفيذ.

إن اختيار الفنان للآية الكريمة: «ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ» لتكون نص لوحته، اختيار موفق، فهو خطاط يخط بقلمه، والآية تتحدث عن القلم وعظمته التي تتجلى في قسم الله تعالى به في الآية، فهذا القسم يرفع القلم وما يُكتب به إلى أسمى المراتب، لأنهما يشكلان أهم مقومات الوجود الإنساني الواعي، فبالقلم كُتبت أقدس النصوص، وبه انتقلت المعارف والإبداعات البشرية عبر العصور، فكان حاملا لرسالة الإنسان التي تعتبر سبب وجوده في هذه الدنيا، وذلك ما حاول الفنان إبرازه هنا من خلال طريقة تشكيله لهذا العمل.

مراتب سامية

كتب حسونة لوحته بطريقة لافتة، بحيث جعلها على شكل حرف نون مزخرف تخرج منه الآية الكريمة التي حَضَن الجزء الأول منها، وقد جعل نونَ الآية أقرب الحروف إلى قاعدة تلك النون الكبرى، لأنها المماثِلة لشكلها، وكأنه يريد من خلال هذا الوضع الحروفي أن يوحي إلى المشاهد بكلمة «كن» التي ترمز إلى كينونة الوجود وتحققه، فالنون هنا وإن كانت نون هذه الآية، فهي أيضاً نون «كن»، والكائن هنا هو القلم، بعظمته التي تظهر من خلال هذا القسم الإلهي الجليل به، وقد كتب الفنان كلمة «قلم» بألف ولامات تستطيل نحو الأعلى ليرسم كلُّ واحد منها شكل القلم، وهو ما كرره مع ألف «ما» وعمود «الطاء» في كلمة «يسطرون»، وهي استطالات ترمز إلى ذلك القَسَم، والمراتب السامية التي وُضع فيها القلم وما يُسطّر به، كما أنه تعمد جعل مقطع «ما يسطرون» خارج النون الكبرى، ليلفت إلى عطفها بالواو على المقطع الأول، وهو عطف يشركها في القسم، إلا أن تلك الوضعية الشكلية تضيف لمسة جمالية جليَّة إلى شكل اللوحة.

أبرزت هذه اللوحة الإمكانيات الفنية التي يمتلكها الفنان، وذلك من خلال جودة تصميمها، وإتقان خط نصها، وإحكام زخرفتها، وتناسق الألوان المختارة فيها، وهي ألوان تبعث على الإيجابية وقوة العاطفة والروحانية، كما تشكل مع الطريقة التي كتب بها نص اللوحة، والخلفية الرمادية الصافية والإطار المزخرف عملاً تشكيلياً شاعرياً، يعكس المضمون التمجيدي للقلم وما يسطر به.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrxz75dm

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"