عادي
في شاعرية البصر

الخط الثلث.. الحروف تخاطب الأخلاق

23:43 مساء
قراءة 4 دقائق
زكي الهاشمي

الشارقة: جاكاتي الشيخ
يُعد الخطاط اليمني زكي سيدوغلو المعروف بزكي الهاشمي واحداً من المبدعين الشباب الصاعدين في فن الخط العربي، وذلك بفضل ثقافته الواسعة في المجال، واشتغاله الحثيث على الإبداع فيه، والذي مكنه من وضع بصمته الخاصة، فذاع صيته بين المشتغلين بهذا الفن الجميل، ليشارك في عدة معارض ويفوز بعدة جوائز ويهب وقته لتطوير الخط وتعليمه والتنظير فيه.

ولد الهاشمي في اليمن، وبدأ إعجابه بالخط منذ صغره، فكان يشعر بالسعادة عندما يرى الخطوط الجميلة رغم عدم تفريقه بينها، إلا أنه كان موقناً من أنه سيصبح خطاطاً يوماً ما، فقرر أن يدقق في اللوحات الخطية التي يَطّلع عليها، ليقترب بعد ذلك من الخطاطين محاولاً تقليدهم عن بعد، ومتدرّباً على إعادة كتابة لوحاتهم، وليقرر لاحقاً عرض محاولاته الأولية على بعضهم في اليمن، ثم في الأردن عن طريق المراسلات وسوريا والسعودية أثناء زيارته لهما، لينتقل إلى تركيا التي انتظم فيها في تعلم الخط بشكل منهجي، فتخصص في دراسة مجمل أسُسِه، متنقلاً بين تفاصيله، عن طريق دراسة السطر وفهمه، والتمكن من معرفة الموازين والمعايير المختلفة، كميلان الكلمات واتجاهاتها والنسب الصحيحة، حتى نال الإجازة في المجال على يد ثلة من كبار الخطاطين المعاصرين في تركيا.

واصل الهاشمي دراساته في الخط العربي، وأنجز عدة أبحاث في علم الخط، منها: «أدب العالم والمتعلم في مسيرة الحرف»، و«الحرف العربي بين المعنى اللغوي والمبنى الفني»، وشارك في كتابة أكبر مصحف شريف في العالم (مصحف الشام) عام 2007، كما شارك في العديد من المعارض الفردية والدولية في عدة دول من بينها: السعودية، والإمارات، والمغرب، وماليزيا، والهند، وحصد عدة جوائز، منها: جائزة في الخط المحقق في مسابقة مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية (إرسيكا)، وجائزة في خطي النسخ والثلث في المسابقة الدولية الماليزية، إضافة إلى حصوله على المرتبة الأولى في خط النسخ في المسابقة الدولية للخط في إيران.

  • جُهد

إن من يشاهد اللوحة التي بين أيدينا يدرك أن الهاشمي بذل الكثير من وقته في التمرُّن والدراسة، ومقارنة الفروق المُمَيِّزة بين أساليب كبار الخطاطين عبر التاريخ، حتى فهم تقنيات علم الخط، وبدأ يشتغل على مميزات أسلوبه الخاص، فتحرر من عباءة التقليد لكي لا يكون نسخة من أي خطاط قبله، من دون أن يخرج عن الأسس السليمة لهذا الفن.

اختار الهاشمي أن يكون نص هذه اللوحة الحديث النبوي الشريف، الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي»، وكتبه بخط الثلث، وهو خط جميل ومبهر، خاصة إذا أتقن الخطاط الكتابة به وفق خصائصه المميزة، في تصميمه وطريقة رسم حروفه وتموقع كلماته، لأنه خط صعب، رغم انتشاره، ويمكن لأي خطاط غير محترف أن يشوه عمله فيه من دون أن يدرك ذلك سوى الخبراء المتمرسين في المجال، إلا أن الطريقة التي أنجز بها الهاشمي هذه اللوحة، ومزجه للأسلوب العادي فيها بالتركيب، مع الدقة في التشكيل الخطي تثبت أنه خطاط مقتدر.

  • تناظر

ولأن المضامين هي قوام فن الخط العربي، فقد اختار الهاشمي مضمون لوحته لعمق دلالته من ناحية، ولشكله الذي أحس أن بإمكانه أن يقدم من خلاله عملاً فنياً مميزاً ذا تأثير معنوي وبصري في آن واحد، لأن الشكل الذي يعكس المضمون يكون أكثر وقعاً على المشاهد للوحة، فهذا الحديث يحث على صنع المعروف للأهل الأقربين، فهم الأولى به، وإن كان الإسلام أوصانا في نصوص أخرى بصنع المعروف للآخرين، ولكن هذا الحديث أراد التأكيد على أهمية الأهل وضرورة تعزيز العلاقة بهم، وجعلهم أولى من سواهم في كل عمل للخير. لقد صمم الهاشمي الجزء الأبرز من لوحته بأسلوب التناظر، حيث خدمه في ذلك تكرار كلمة «خيركم» من ناحية وتكرار حرف الهاء في كلمة «لأهله» من ناحية أخرى، فخط «خيركم» الأولى يمين الشكل بطريقة احترافية لا تخطئها العين، وخط «خيركم» الثانية يسار الشكل في تناظر تام مع الأولى، وكأنه يعكسها في مرآة، ثم خط في وسط الشكل كلمة «لأهله»، حيث جعل اللام ألف في استقامة تامة مع حرف اللام، لتصبح الهاءان في تناظر، ولتشكل الكلمة في مجملها شكلاً تناظرياً متقن التنفيذ، وليمنح التصميم العام للشكل أيضاً هيئة تناظرية، تُقسم الشكل من الاستقامة المارة من منتصف اللوحة في منتصف كلمة «لأهله»، وكأنه يريد من المتلقي أن يفكر في مضمون الحديث الشريف عبر فهم دلالات هذه الكلمات: «خيركم»، «لأهله»، فإذا كانت «خيركم» ناظرت شكلها ومعناها، فإن «لأهله» لم تناظر إلا ذاتها، فالأهل ذاتك أيها المشاهد، وخيرك لهم هو خيرك لنفسك، وقد اقتصر في لوحته على اللونين الأسود والبرتقالي لما يمثلانه من معاني الدفء والسعادة، والإيجابية والوضوح، وهي المعاني التي تشكل أسس الارتباط بين الأهل والأحبة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ybcjzc4s

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"