ماركيز والكوكاكولا

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

قرأت أمس ما نشره موقع جريدتنا «الخليج» حول وصفة غابرييل غارغثيا ماركيز لكتابة الرواية، وبعيداً عن نصائح صاحب «نوبل»، وفيما إن كانت تصلح فعلاً لكتابة رواية، يجد القارئ نفسه مشدوداً أكثر إلى قراءة ما ذكره ماركيز عن الكوكاكولا بخاصة من الناحية العلمية في تركيب هذا المشروب، الذي بات اليوم يرمز مباشرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، كما كان الكلاشينكوف يرمز إلى ما كان يسمى الاتحاد السوفييتي، غير أن المفارقة هنا أن الكلاشينكوف الذي كان سلاح ما كانت تسمى حركات التحرر الثورية في العالم تحوّل هو الآخر إلى «شراب» بلون الماء، على العكس تماماً من اللون الأسود أو الغامق للكوكاكولا.

يكشف ماركيز، وربما للمرة الأولى، أن الكوكاكولا حتى العام 1903 كانت تحتوي على الكوكايين، ويقول في المادة المنشورة أمس في «الخليج»: إنها اخترعت أول الأمر كدواء وليس كمرطب لعلاج التشنجات المعوية، ومع ذلك أثبتت سلطات البيرو عام 1970 أن المرطب لا يحتوي على كوكايين، وفي فرنسا طبع تحذير على الزجاجة يقول: إنها تحتوي على الكافيين، وحين سئل ماركيز عن مذاق الكوكاكولا، بحسب المادة المنشورة، قال: إن لها مذاق الأحذية الجديدة، وإنه يمكن لِ«سنّ» مغمورة في كأس من الكوكاكولا أن تذوب تماماً خلال 48 ساعة.

يكاد المحرر كاتب هذه المادة ينسى الموضوع الأساسي، وهو وصفة ماركيز لكتابة رواية، واستحوذ موضوع الكوكاكولا على صاحب «مئة عام من العزلة»، ومن المعروف أن ماركيز في مرحلة من مراحل حياته الصعبة تماماً من حيث معيشته، كان يبيع زجاجات الكوكاكولا الفارغة حين كان يقيم في باريس مراسلاً صحفياً في شبابه، قبل أن يكتب «مئة عام من العزلة»، (راجع كتاب «رائحة الجوافة»).

مقدمة طويلة عن قصة الكوكاكولا، ربما يراها القارئ حقاً أكثر أهمية من وصفة ماركيز الروائية، ذلك ببساطة أنه لا يمكن لروائي أن يعطي وصفات للكتابة من خارج تجربته الأدبية هو، الأمر الذي لا ينسحب على كاتب آخر هو في هذه الحالة كاتب شاب أو مبتدئ، وبالتالي، إن كان من وصفات معاكسة أو مناقضة لماركيز، فإن على الكاتب المبتدئ، أن لا يصغي مطلقاً لما ينصح به الروائيون الكبار بشأن فن الرواية، فما يذكرونه في هذا السياق لا يعدو أن يكون مجرّد تسلية بخاصة لأصحاب «نوبل»، ثم إن وصفات الكتابة هذه من جانب هؤلاء الكبار إنما تنطوي على شيء من الغرور إن لم يكن الغرور نفسه، وإلا، ما معنى أن يسمح كاتب كبير مثل ماركيز، بأن يكون أستاذاً أو عرّاباً أو أباً أدبياً أو روحياً حين يوزّع وصفات للكتابة بكل بساطة، البساطة ذاتها التي تحمل في داخلها الكثير من التسطيح والسذاجة.

على أي حال أنت لا تدري إن كان ثمة من كتّاب يأخذون وصفات ماركيز مأخذ الجد، فالأمر كله تسلية، ذلك أن الرواية هي تجربة، وذاكرة، وتاريخ، وليست زجاجة كوكاكولا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc6sdhtc

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"