أخطار أرخبيل الجزر الثقافية

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

كيف ولماذا نتصوّر الثقافة ومكوّناتها على هيئة أرخبيل جزر؟ معذرةً، هذه هي الحقيقة على الساحة العربية، بالرغم من أن الأمور أظهر من أن تخفى، أي أن الأسباب لا تحتاج إلى عبقريات نادرة لفهمها. خذ مثلاً هذه الأسلاك الشائكة: كيف لا تُحرّك الثقافة ساكناً إزاء مناهج تعليمية لا تربطها علاقة عضوية بالتنمية؟ هل ينبغي للثقافة ألّا تكون لها صلة بالتحوّلات الجيوسياسية والجيوستراتيجية، فلا تكترث لأهم العوامل المؤثرة في حاضر البلدان ومستقبلها؟ معنى هذا ألّا يكون للمفكرين والأدباء والفنانين في العراق وسوريا وليبيا والسودان واليمن... أيّ دخل في ما جرى ويجري لشعوبهم وبلدانهم. أي أن على المثقف العربي ألّا يكون وطنياً ولا عربياً. أمّا إذا كانت المآسي في مسلمي مورو بالفلبين، أو في نيجيريا أو طاجيكستان، فنجوم السماء أقرب.

من الأرخبيل أيضاً، الانفصام بين الثقافة والعلوم. معنى هذا ألّا يشعر المثقف بحميمية الانتماء إلى الأرض والكون، بينما يلخّص الفلاسفة الفلسفة كلّها، في سؤالين: من أنا؟ وما هو محيطي؟ من موضع القدمين إلى أقصى تخوم الكون.

سؤال عابر: هل من دليل على أن الموسيقيين العرب يضعون في الحسبان أن الموسيقى رياضيات وفيزياء؟ ألا يلزمهم ذلك أن تكون أعمالهم جادّةً عارفةً، ذات أبعاد فكرية وروحية وجمالية، حتى لا يشعر المتلقّي بأنه مستضعفٌ في الفن؟ القلم واقع في هذه الدوّامة، ويصرّ على عدم الخروج منها، لأن المشكلة لو كانت متعلقةً ببلد عربي واحد أو منطقة بعينها، لكانت الحلول سهلةً مختصرةً، ولكنها عربية عامة بامتياز، وفوق ذلك مزمنة: عدم اكتراث الفضائيات لمواضع الخلل في المناهج. ضآلة المساحة التي تحتلها المحاور الثقافية والفكرية المهمّة، تبعث على القلق. لم نشاهد قطّ في جميع الشاشات العربية، ندوات عن ضرورات تطوير التربية والتعليم، وفوريّات مكافحة هبوط الفنون.

لماذا تتدهور الفصحى وتسري اللهجات العامية كالنار في الهشيم؟ ما هي العواقب التفتيتية لهذه الظاهرة التي لا تبدو براءة الأطفال في عينيها؟ هل تستطيع الأوساط الثقافية لعب دور في وضع حدٍّ للسقوط الحرّ في ميادين الإبداع؟ والأهم: ما هي مسؤولية الثقافة العربية أمام تداعي أحجار «الدومينو» العربية؟

لزوم ما يلزم: النتيجة الاستدراكية: عفواً، نسي القلم أمراً مهمّاً، وهو أن تكون الثقافة العربية أصابتها عين، سلامتها، إذ لم تكن هكذا أيام طه حسين، جمال حمدان، الجابري، جعيط، علي الوردي والعشرات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/cp898ff4

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"