مصارحات في ثراء اللغة

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

ما الذي يدور في ذهنك أوّل ما يطرق سمعك حديثٌ عن ثراء لغتنا؟ قال القلم: عفواً، هذا عمود في جريدة، وليس مركز بحوث ودراسات لغوية، فلو طرحتَ السؤال على علماء اللغة العربية، لوجدت في آرائهم اختلافاً كبيراً. للأسف، وسائط الإعلام، الفضائيات تحديداً، تحتاج إلى جهود كبيرة في شؤون العربية، لخلق وعي ملمّ بالمشكلات الحقيقية لدى أوسع جمهور.

لا عجب أن نرى الكثيرين من عشاق اللغة لا يعرفون فحوى ما يقولون، عند الحديث عن ثراء العربية. العامل المشترك بينهم غالباً ما يكون عدديّاً. يستدعي الأمر إدراكاً واعياً.

المستدلّون بالثراء العددي يستسهلون الحديث عن عشرين مليون مفردة في العربية. الرقم يبعث على الفخر، لكن يجب الإحاطة بتفاصيل الاستدلال العلمي. كلمات العربية ثلاثة أقسام؛ المستعمل، مثل علم، معرفة، والمهمل مثل عَمَلّس، جَيْأل، وغير مستعمل مثل لَجَرْفَس، معكوس سفرجل. معنى ذلك أن العشرين مليون لا يمكن بلوغها بما هو مستعمل ومهمل، أي ما هو مستخدم اليوم، وما لم يعد مستعملاً كالعقنقل، ولا نصل إليها إلا إذا أضفنا كل الممكنات الصوتية في الثلاثي والرباعي والخماسي والسداسي، أي ما لم تنطق به العرب منذ كانت العرب والعربية.

الاختبار بسيط ولا يكلف عناءً، لكنه مفيد لكي ندرك أن مختلقي هذه الأرقام يفترون على لغتنا الكذب، ويحقنون الأذهان بأوهام لا نحن في حاجة إلى سرابها ولا هي عقد فريد على جيد العربية. الآلة الحاسبة من فضلك: 20 مليون كلمة تعني 20 مليون أصل لغوي. لكن لا علينا، سنتنازل عن العقلانية ونخدع عقولنا بأن الاشتقاقات أيضاً جذور. المفاجأة: 20 مليون كلمة، من دون شرح، إذا وضعناها متراصّةً كالنص الواحد، ستحتل 66 ألف صفحة، بمعدل ثلاثمئة كلمة للصفحة، وهذا الرقم يعني 330 مجلداً من 200 صفحة. مع شرح كل كلمة في ثلاثة أسطر فقط، أي ثلاثين كلمةً، سيصير عدد الأجزاء عشرة آلاف مجلد. هذا النوع من عشاق العربية ليسوا قطعاً من عقلاء المجانين. لو كان حماة اللغة وحراسها لهم وقفات ومواقف في وسائط الإعلام، لتوارى أمام مهابتهم المروّجون للخرافات. ثراء اللغة في الماضي مضى وانقضى. ثراؤها اليوم وغداً يتطلب خوارق تنمويّة جبّارة لبلوغ إنتاج العلوم.

لزوم ما يلزم: النتيجة العملية: خارطة الطريق واضحة وصعبة: تطوير التعليم، تأسيس مراكز البحث العلمي وربطها بعجلة التنمية الشاملة. بعد بضعة عقود يمكن إنتاج العلوم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/t77hnm96

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"