اقتصاد ما بعد الإغلاق

21:53 مساء
قراءة 4 دقائق

جيفري تاكر*

كان جوهر المشاكل الاقتصادية منذ البداية هو الحصول على مزيد مما يحتاجه الناس بطريقة مستدامة، بغضّ النظر عن الندرة المتأصلة في حالة الطبيعة. وكان خلق الثروات هو الهدف المعلن، لتكتشف البشرية تدريجياً أن طريق التجارة، والاستثمار، والتسويقن إضافة إلى السفر والإبداع، هو الصحيح إلى الأمام.

إلى أن جاء الإغلاق العالمي المفاجئ في مارس/ آذار 2020، وشكّل أحد أكثر الأحداث المروعة في التاريخ. وفي لحظة واحدة، تم وضع كل هذه الاعتبارات السابقة جانباً، وأغلق هذا الطريق، وغيره، لمكافحة فيروس كورونا. علاوة على ذلك، كان الاعتقاد أن إنهاء النشاط الاقتصادي، على الأقل غير الضروري منه، هو الحل الصحيح لهذه الأزمة الصحية.

لقد انهار الاقتصاد العالمي بطريقة مجنونة وخطرة، لم تحدث من قبل في العصر الحديث، فلا يوجد شيء مثل إيقاف عجلة الاقتصاد العالمي، ثم إعادة تدويرها من جدي،د كما لو كانت جهازاً كهربائياً يعمل بمفتاح، أو قاطع متحرك.

ولو تحدثنا عن أسواق العمل الأمريكية، فهي لم تتعافَ أبداً حتى اليوم. ولا تزال مشاركة العمالة ونسب التوظيف، مقارنة بعدد السكان، أقل مما كانت عليه في عام 2019، وربما يكون هذا نتيجة التقاعد، أو العجز، أو مجرد إحباط.

لكن بغضّ النظر عن ذلك، لم نعُد أبداً إلى الوضع الطبيعي، وما زلنا بعيدين عن اتجاه ما قبل الإغلاق. وكل الحديث عن آلة العمل العظيمة منذ عام 2021، ليس سوى محاولات العثور على عمل مرة أخرى، بعد تشريد الآلاف أثناء عمليات الإغلاق، أو دخول أشخاص جدد إلى السوق. ولم يكن سوق العمل «ساخنا» بأي معيار. إذ تشير البيانات الشهرية في الأغلب، إلى مسوحات وأرقام الشركات وقطاع الأعمال، ولكنها نادراً ما تأخذ الأسر، التي تُظهر ضعفاً مستمراً، في الاعتبار.

وعندما بدأت الشيكات تتدفق مباشرة إلى الحسابات المصرفية للأفراد، كان الناس جالسين في منازلهم، وكانت الشركات تحصل على دعم حكومي، وأبوابها مغلقة، بدا الأمر شيقاً آنذاك، فالثروات تهبط من السماء لنحو 18 شهراً. لكن بمجرد ظهور التضخم، تم القضاء على التحفيز، واستُنزفت القوة الشرائية لتلك الدولارات. وبلغت مستويات طباعة النقود «من الهواء» حداً لم يسبق له مثيل في العصر الحديث، نحو 6 تريليونات دولار، لشراء كميات مذهلة من الديون.

في غضون ذلك، لم ترتفع مبيعات التجزئة وطلبات المصانع بالجملة، بالشكل المطلوب، وتم الإبلاغ عنها بالقيمة الاسمية، وهو ما يُعد جيداً في الأوقات العادية فقط. ومن بين جميع إصدارات البيانات المعتادة، تم تعديل أرقام الناتج المحلي الإجمالي فقط، بشكل روتيني متناغم مع التضخم. ومرة أخرى، تستند هذه التعديلات إلى بيانات مؤشر أسعار المستهلك التقليدية، لذا فإن الواقع الفعلي أسوأ بكثير.

ووفقاً لبيانات رسمية، حافظ الدولار في يناير/ كانون الثاني 2020 على 82% من قيمته، أي أنه فقد 18% فقط، منها على مدى أربع سنوات. قِس هذا على حياة الأفراد اليومية الخاصة، استناداً إلى فواتيرهم وتسوّقهم، وفكّر في الأيام الخوالي الجميلة لعام 2019. هل من المعقول، حتى ولو بشكل غامض، أن الأسعار التي يدفعها الأمريكيون ارتفعت بنسبة 18% فقط؟

كيف يتمكن مؤشر أسعار المستهلك من جعل الزيادات في الأسعار منخفضة إلى هذا الحد؟ ببساطة، لأن البيانات تستبعد أسعار الفائدة، وتأمين أصحاب المساكن، والضرائب، والتضخم المتقلص، والرسوم الإضافية.

وعندما تقطعت جميع سلاسل التوريد العالمية في مارس/ آذار 2020، ثم أعيد ربطها تدريجياً على أساس السياسة الوطنية، رأينا تآكل 70 عاماً من التكامل العالمي. وبعد فترة وجيزة من فتح الحدود، ألغت الولايات المتحدة الدولار من الأصول الروسية، وواصلت حربها الاقتصادية مع الصين. ليصبح الشكل الجديد للعالم واضحاً: «كل شيء مرتبط بمجالات النفوذ السياسي»، وبالتالي تحطيم أي قوة دافعة للنمو الاقتصادي العالمي لعقود ربما.

لقد أخرجت الجائحة الديون الخاصة بالأفراد، والمؤسسات، والحكومات، عن السيطرة. وفي الواقع، أبحرت سفينة الديون الحكومية منذ فترة طويلة مع التجربة الجامحة لأسعار الفائدة الصفرية التي أجراها بنك الاحتياطي الفيدرالي، بعد عام 2008، ثم تم عكس الأسعار للتعامل مع التضخم. والنتيجة، أن المعدلات المرتفعة كانت مؤلمة لأي شركة، بخاصة تعتمد على الاستدانة في عملياتها.

أما مشكلة ديون المستهلكين، فكانت أكثر وضوحاً. ففي أوقات الفائدة المرتفعة، يجب أن تنمو المدخرات، لا أن تنخفض، وأن تتراجع الديون بدلاً من أن ترتفع. لكن ببساطة يحدث العكس، لأن الدخل الحقيقي ينخفض بشكل كبير، وكان كذلك لمدة ثلاث سنوات. وحتى باستخدام بيانات مؤشر أسعار المستهلك التقليدية، لم نتعاف بعد من عمليات الإغلاق.

حتى الآن، خلال السنوات الأربع المجنونة الماضية، نجونا من أزمة مالية خطرة إما في الأسهم، وإما البنوك. وهذا ليس بالأمر غير المعتاد في خضم التوسع الجامح للمال، والائتمان. فبعد أن ضربت الأسعار والأجور، تتدفق الأموال الجديدة إلى المؤسسات المالية، ويُنظر إلى ارتفاعها على أنه خبر رائع، وليس مجرد تضخم في الأسعار. ومع ذلك، فإن أسواق الأسهم ليست الاقتصاد. صحيح أنها بشارات خير للأشخاص الذين استثمروا فيها وكدّسوا حسابات التقاعد، لكنها لا تعني شيئاً لأصحاب الأجور والرواتب، وهم السواد الأعظم من الأمريكيين.

* مؤسس ورئيس «معهد براونستون» للأبحاث الاجتماعية والاقتصادية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3ak6hp8b

عن الكاتب

مؤسس ورئيس «معهد براونستون» للأبحاث الاجتماعية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"