عادي
حكم البيت الأبيض من 1885ــ 1889.. وعاد إليه مرة أخرى في 1893

ترامب.. على خطى الرئيس كليفلاند

23:27 مساء
قراءة 8 دقائق
دونالد ترامب
ترامب بين عائلته وأحفاده فهو محب للأسرة

د. أيمن سمير

لم يغير تسريحة شعره منذ 40 عاماً، تتفق أو تختلف معه، لكنك لا تستطيع أن تتجاهله أو تتجاهل أفكاره ورؤيته، رجل أعمال من الطراز الأول، أصبح مليارديراً منذ زمن بعيد رغم تعرضه للإفلاس في بداية تسعينات القرن الماضي، ورث عن عائلته العمل في قطاع العقارات فذاع صيته وأصبح من الأسماء الشهيرة في هذا المجال، ليس فقط في الولايات المتحدة بل العالم أجمع، يعشق الأسرة ويقدسها، حتى عندما انفصل عن زوجته الأولى اختار أولاده العيش معه، يراه بعضهم نرجسي وفظ السلوك، ولا يمكن توقع ما يقوله أو يفعله، لكن لأبنائه وأحفاده رأي آخر تماماً، فهو الأب والجد الحنون الذي لا يساويه أحد في عطفه ومحبته.
عاشق للتفاصيل، ولا يمكن خداعه أو تمرير شيء عليه دون أن يتأكد منه، ورغم بلوغه 78 عاماً يستطيع العمل ساعات طويلة، كلمات قاموسه تأتي فقط من معاني النجاح والإنجاز وتحدي الذات، تعرض لهزيمة نفسية كبيرة عندما مات أخوه الأكبر «فريدي جونيور» بجرعات زائده من المخدرات، وهو ما فرض عليه أن يثبت نحاجه وتفوقه كل يوم أمام أبيه وإخوته الذين كان هو الرابع بينهم.
رغم أنه انصرف عن دراسة الأفلام في بداية حياته، واتجه إلى العقارات ودرس الاقتصاد في كلية وارتون في جامعة بنسلفانيا إلا أنه ظل عاشقاً للظهور والإعلام وحياة المشاهير، وظل محاطاً بالاهتمام الإعلامي، وهو ما جعله قريباً من رجال السياسية وحياة الأضواء خاصة أنه قدّم برنامجاً ضمن تلفزيون الواقع على قناة «إن بي سي» كان يسمى The Apprentice
إنه الرئيس الأمريكي السابق، والمرشح الجمهوري الحالي دونالد ترامب الذي ما زال يحتفظ «بكتلة صلبة» من الناخبين والداعمين الجمهوريين يتقدمهم كبار السن وأصحاب التعليم غير الجامعي والبيض، ونساء المناطق الريفية، وهو بالنسبة لهؤلاء «كل شيء» والمنقذ من كل الأفكار اليسارية المتطرفة، لأنه في نظرهم هو القوة الوحيدة القادرة على وقف تطور التاريخ في مسار يمكن أن يفقدوا فيه الكثير مما يمتلكون، وأنه وحده الذي يستطيع الحفاظ على أمريكا التي في مخيلتهم وعقولهم ضد قوى العلمانية والعولمة، لكن على الجانب الآخر يراه معارضوه بأنه يتبنى سياسة تقوم على «الشعبوية المحلية»، و«الحمائية والانعزالية الدولية»، فما هي محاور القوة التي يتمتع بها ترامب، ويمكن أن تدفع به إلى البيت الأبيض مرة ثانية؟ وما هي الملفات والعثرات التي يعكف عليها الديمقراطيون الآن لحرمانه إلى الأبد من دخول المكتب البيضاوي؟ وهل تستمر حالة الزخم التي رافقت تعرضه للاغتيال في ميلووكي أم أن لكتيبة كامالا هاريس رأى أخر؟
مثابرة جروفر كليفلاند
هناك حالة وحيدة في التاريخ الأمريكي التي عاد فيها رئيس سابق إلى الحكم من جديد بعد خروجه من البيت الأبيض، وهي حالة الرئيس جروفر كليفلاند الذي حكم في الفترة من 1885 حتى عام 1889، لكنه عاد للبيت الأبيض رئيساً من جديد عام 1893 بعد 4 سنوات خارج البيت الأبيض، وهو السيناريو نفسه الذي يطمح المرشح الجمهوري دونالد ترامب إلى تحقيقه في 5 نوفمبر القادم، فهو شخصية مثابرة ويرفض الاستسلام، ويريد العودة للحكم من جديد رغم كل العقبات والقضايا المرفوعة ضده منذ خروجه من المكتب البيضاوي في 20 يناير 2021، فهو الرئيس الوحيد في التاريخ الأمريكي الذي جرت محاولة عزله مرتين، الأولى بتهمة عرقلة عمل الكونجرس، ولكن تمت تبرئته في مجلس الشيوخ في فبراير 2020، كما تمت تبرئته من التحريض على العصيان المدني في مجلس الشيوخ أيضاً في 13 فبراير 2021 إثر خروجه من البيت الأبيض بعد أن قرر مجلس النواب عزل ترامب في 13 يناير 2021 أي قبل نهاية ولايته بأيام قليلة، وتمت تبرئته من قضايا خطرة منها التواطؤ مع مزاعم بالتدخل الروسي في انتخابات نوفمبر عام 2016 لمصلحته، وحتى عندما جرت إدانته في قضية «شراء الصمت» في محكمة بمنهاتن أصر على مواصلة الترشح وتحدي كل الصعاب، ورغم أن أقرب أصدقائه وحلفائه قالوا: إن ترامب انتهى سياسياً منذ المظاهرات أمام مبنى الكونجرس في 6 يناير 2021 احتجاجاً على نتائج انتخابات نوفمبر 2020، إلا أن ترامب أثبت أنه زعيم من طراز خاص لا يسلم أو يستسلم، وهو ما دفع بعضهم للقول: إن «السياسية هي التي تحتاج ترامب، وليس ترامب من يحتاج للسياسية»، لان ترامب في نظر أنصاره رجل أعمال ناجح ولديه نحو 5.5 مليار دولار، وكان يستطيع في هذا السن المتقدم أن يذهب ويعيش ما تبقى له في الحياة ليستمتع بكل شيء بعد حياة حافلة بالنجاح والإنجازات، لكن السياسة هي من تحتاج ترامب في نظر «الكتلة الصلبة» من الناخبين الجمهوريين، لأن لديه مشروع ورؤية وفلسفة لأمريكا، وهذه الرؤية تقوم على سلسلة من الأفكار وهي:
أولاً: وقف الحروب
الثابت أن المرشح الجمهوري دونالد ترامب لم يشن أي حرب كبيرة أو طويلة في عهده، وفي عهده أيضاً التقى بالرئيس الروسي فلاديمير بوتن أكثر من مرة، والتقى زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون 3 مرات، ولذلك تعهد بوقف الحرب الروسية الأوكرانية في 24 ساعة، وقال: إنه لو كان في الحكم لما اندلعت الحرب الإسرائيلية الفلسطينية، ورغم أن بعضهم في الولايات المتحدة يهاجمه لأنه لم يتحدث من قبل عن كيفية تحقيق وقف الحروب ومنع تكرارها في المستقبل، لكن المدقق في ولاية ترامب الأولى وتصريحاته بعد الخروج من البيت الأبيض
تقول بوضوح: إنه لن يتخلى عن أن يكون الجيش الأمريكي الأقوى في العالم عبر مزيد من تخصيص الأموال لتطوير وتحديث الجيش الأمريكي، وقد تصل ميزانية الدفاع في عهد ترامب - لو وصل للبيت الأبيض- لنحو تريليون دولار بدلاً من 886 ملياراً في ميزانية العام الجاري، ويسعى بقوة لتحديث القوات النووية الأمريكية، فخلال السنوات الأربع التي قضاها ترامب في الحكم كان يخصص سنوياً 100 مليار دولار لتحديث الأسلحة النووية الأمريكية، وهو ما أسهم في تحويل نحو 460 رأساً نووياً تقليدياً إلى رؤوس نووية تكتيكية، وهذه هي «فلسفة ترامب» في إنهاء الحروب الجارية، وعدم الدخول في حرب جديدة، وردد ترامب كثيراً أن سبب مشاكل العالم هو شعور العالم «بضعف القيادة الأمريكية» في الوقت الحالي، وأن شعور أعداء أمريكا بقوة جيشها وقيادتها هو ما سيمنع الحروب
كما تعتمد فلسفة ترامب في وقف الحروب على «مبدأ المقايضة» في المصالح، وهو ما يعني أنه منفتح على «حلول مقبولة» مع روسيا وكوريا الشمالية والصين، بينما خطة الديمقراطيين الوحيدة للتعامل مع روسيا هي «الهزيمة الاستراتيجية والنكراء» لموسكو، وهو أمر من وجهة نظر ترامب أسهم في إطالة زمن الحرب الروسية الأوكرانية، لكن أكثر ما يؤمن به ترامب والكثير من الجمهوريين هو ضرورة التلويح ب«ورقة إرسال السلاح» لأوكرانيا، وهو ما يمكن أن يمنح فرصة للسلام بين روسيا وأوكرانيا، لكن في ذات الوقت لم يسبق لترامب أن تنازل لأي دولة على حساب المصالح الأمريكية، فعلى سبيل المثال هو الذي انسحب من اتفاقية «منع إنتاج وتطوير ونشر الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى التي يمكن أن تحمل رؤوساً نووية» في أغسطس«2019، وهو ما يرد به الجمهوريون على الديمقراطيين الذين يتهمون ترامب بأنه صديق بوتن، ومستعد للتساهل معه، فما حدث في ولاية ترامب الأولى من 20 يناير 2017 وحتى 20 يناير 2021 لم يكن بها أي نوع من التنازلات لروسيا أو الصين أو كوريا الشمالية.
ثانياً: ليس انعزالياً
سعي ترامب لوقف الحروب الجارية، وعدم الانخراط في حروب جديدة لا تعني أنه يتبنى «سياسة انعزالية» كما يتهمه خصومة من الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي، فعلى سبيل المثال كان إسهام الجمهوريين تحت قيادة ترامب في هزيمة داعش وقتل قادتها ورموزها مثال على فعالية التدخل الأمريكية حينما تكون هناك حاجة لذلك، في حين قالت إدارة أوباما: إن طرد داعش من المدن العراقية والسورية يحتاج إلى «عقود طويلة». كما أن رؤية ترامب لم تتضمن تقليص عدد القواعد العسكرية الأمريكية الكبيرة في العالم، والتي تبلغ نحو 800 قاعدة عسكرية فيها 210 ألاف من الجنود الأمريكيين، كما أن دعمه للتفوق الأمريكي في الأمن السيبراني والفضائي لا تقل طموحاً عن خطة الديمقراطيين في هذه المجالات
ثالثاً: عدالة العلاقات الثنائية
يعتقد ترامب أن هناك دولاً في العالم تستغل الولايات المتحدة، وأنه مستعد لمزيد من التعاون معها لكن بشرط أن تكون العلاقة عادلة، وتقوم على مبدأ «الربح للجميع». من هذا المنطلق قال ترامب: إنه لن يدافع عن الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي «الناتو» التي لا تنفق نسبة 2% من الناتج القومي على الشؤون الدفاعية، وهو ينطلق من أن الولايات المتحدة تنفق هذا العام 886 مليار دولار على الدفاع تساوي نحو 3.7% من ناتجها القومي البالغ عام 2023 نحو 27 تريليون دولار، بينما تقول «وثائق الناتو»: إنه حتى بدء الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير 2022 كان هناك 8 دول فقط وصلت إلى إنفاق 2% من ناتجها القومي على التسليح، ونتيجة لتهديدات ترامب بعدم الدفاع عن الدول التي لا تدفع، هناك توقعات بأن تصل 24 دولة من إجمالي 32 دولة في حلف «الناتو» لإنفاق 2% من الناتج القومي على الشؤون الدفاعية، خاصة في ظل وجود أكثر من 100 ألف جندي أمريكي لحماية الجناح الأوروبي في حلف «الناتو».
هذه العدالة في العلاقات مع الآخرين ينشدها ترامب مع دول أخرى، مثل الصين، فعندما فرض ترامب حواجز جمركية على صادرات صينية كان الهدف منها الحصول على مزايا لدخول البضائع الأمريكية بالمقابل إلى السوق الصينية، وسبق لترامب أن نجح في التوصل لاتفاق تجاري تاريخي مع الصين، وبدأ تنفيذ المرحلة الأولى منه في يناير 2020، لكن جائحة كورونا وهزيمة ترامب في نوفمبر 2020 عطلت الاتفاق، وهو ما يعني أن ترامب لا يسعي ل«فصل» الاقتصاد الأمريكي عن الاقتصاد الصيني كما حاول الديمقراطيون، بل يسعى ترامب ليكون هناك تقارب بين الصادرات الأمريكية للصين مع الصادرات الصينية لأمريكا، والعدالة التجارية نفسها يريدها ترامب مع الدول الأوروبية، وسبق له أن وضع حواجز جمركية على بعض الصادرات الفرنسية، وهو صاحب المقولة بأن: «السيارات الألمانية في كاليفورنيا أكثر من السيارات الأمريكية»، وطالب وقتها ببيع بضائع أمريكية أكثر لأوروبا حتى تتحقق العدالة في الميزان التجاري الأمريكي الأوروبي.
رابعاً: «ولايات الصدأ»
نظراً لأنه رجل أعمال ويعرف بيئة المال والأعمال جيداً في الولايات المتحدة، فإن ترامب يدرك خطوة الأوضاع الاقتصادية في ما يسمى بولايات «حزام الصدأ»، وهي الولايات التي تبدأ من شرق نيويورك وتشمل ولايات، مثل أوهايو وكنتاكي والمسيسيبي وميتشجان، وأغلبيتها ولايات متأرجحة تعطي أصواتها أحياناً للمرشح الرئاسي الجمهوري، وأحياناً أخرى للمرشح الديمقراطي، لهذا اختار ترامب نائبه دي جي فانس من ولاية أوهايو، كما أنه يؤمن بضرورة تخفيض الضرائب على الشركات، لأن هذه الشركات هي التي تدفع الضرائب، وهي التي توفر الوظائف للعمال، بعكس سياسة الديمقراطيين الذين يفرضون الكثير من الضرائب، بما فيها ضرائب باهظة على رجال الأعمال الأغنياء، ولهذا وقع ترامب فور دخوله البيت الأبيض عام 2017 على قانون التخفيضات الضريبية والوظائف الذي خفض الضرائب على الأفراد والشركات، ولهذا ترامب يسعى لاستعادة الشركات الأمريكية الكبيرة التي تستثمر في الصين والمكسيك لتعود مرة أخرى للولايات المتحدة عبر هذه المزايا والتخفيضات الضريبية.
خامساً: «الحزمة الأمنية»
أكثر ما يجذب الناخب الأمريكي إلى المرشح الجمهوري دونالد ترامب ما يطلق عليها «الحزمة الأمنية» ضمن برنامجه الانتخابي التي تقوم على تعزيز دور الشرطة وتعيين الآلاف من عناصر الشرطة في كل الولايات، مع استكمال بناء الجدار الفاصل على الحدود المكسيكية الأمريكية، وطرد المهاجرين غير الشرعيين الذين ارتكبوا جرائم وتمت إدانتهم في الولايات المتحدة، مع وضع نظام جديد للهجرة واللجوء إلى أمريكا، منها المقترح الجديد الذي تقدم به ترامب، بأنه سيسمح بمنح البطاقة الخضراء الأمريكية إلى الطلاب الأجانب الذين يدرسون في الولايات المتحدة، ويريدون البقاء والعمل فيها.
سادساً: حماية الأسرة الأمريكية
ترامب من أكثر المرشحين الأمريكيين في السنوات الأخيرة إيماناً بالأسرة في مفهومها المعروف، لذلك حرص ترامب أن تتحدث حفيدته «كايا ترامب» في المؤتمر العام للحزب الجمهوري الشهر الماضي، فهو ضد كل القوانين الجديدة التي يراها تعبث بالأسرة الأمريكية، لهذا يشدد على ضرورة استعادة روح الأسرة الأمريكية والحفاظ عليها، وأن لا يوجد إلا نوعين فقط من البشر، رجل وامرأة، لأن الأسرة من وجهة نظره هي «عصب الحياة الأمريكية» منذ تأسيس الولايات المتحدة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3wmzjxy9

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"