الاستثمار في الصحة

03:22 صباحا
قراءة دقيقتين
يحيى زكي

تفرض علينا الأخبار التي نقرأها بين الحين والآخر عن تخوف البعض من موجة ثانية من جائحة «كورونا»، أن نفكر في مستقبل صحة البشر، وارتباطها بالسياسات التي تتخذها الحكومات والثقافة الصحية السائدة في المجتمعات المختلفة.

إن الصحة لا تقتصر على عدد الأطباء أو المستشفيات أو مراكز الرعاية أو توافر الدواء، ولكنها مفهوم أعمق من ذلك ربما يمس جميع أوجه الحياة، يدخل في البنية الاقتصادية للمجتمع: طبيعة الأماكن التي يعيش فيها الناس، مدى توافر المياه النظيفة، القدرة على استهلاك طعام صحي ومتوازن.. إلخ، وتمتد إلى سياسات الحكومة وقدرتها على بناء نظام تأمين صحي متكامل وقوي ومتماسك، ويتسع الأفق إلى الثقافة اليومية المتعلقة بمعرفة البشر بأبجديات النظافة والسلوك الصحي، وصولاً إلى علم الاجتماع الذي يدرس لماذا ينتشر هذا المرض أو ذاك في هذه المنطقة أو تلك، وربما يتسع المفهوم ليشمل جوهر الثقافة نفسها، فرؤيتنا وتعاملنا مع الشرائح العمرية المتعددة يخضع إلى قيم وعادات وتقاليد تضرب بجذورها في نظم تفكيرنا، وتختلف بالتأكيد من ثقافة إلى أخرى.

لا بد أن نفكر في كل هذه المعطيات ونحن نستعد لموجة ثانية من «كورونا»، أو أن نتسع بالأفق أكثر لكي نقي أنفسنا أي وباء قادم في المستقبل.

وهنا من الضروري البداية من أبجديات أي نظام صحي، من التعليم: هل تحتوي المقررات التعليمية على أي مناهج أو دروس توعوية بخصوص الصحة؟ وهل تتناسب أعداد الأطباء بتخصصاتهم المختلفة مع عدد السكان في أي مكان؟ وقد أوضحت الكثير من الأخبار أن نقصاً واضحاً في عدد الأطباء والممرضين عانته عدة بلدان، فضلاً عن تردي أحوالهم المادية، الأمر الذي يتناقض مع المهمات الملقاة على عاتقهم. وماذا عن أحوال المستشفيات ومصانع الأدوية؟. إن قراءة متأنية لمفهوم الصحة في الكثير من بلدان العالم ستكون مراجعة شاملة لكل شيء تتجاوز الأفكار السياسية المعروفة التي اختلف عليها البشر في السابق.

ومن الضروري أن يتشارك الجميع في هذه المراجعة، فهي ليست منوطة بالحكومات وحسب، وخاصة في الدول النامية، مثل عالمنا العربي، فلماذا لا نبدأ التفكير في كيفية الاستثمار في الصحة، ليس بالمعنى المباشر، بناء مستشفيات خمس نجوم، ولكن عبر إنفاق القطاع الخاص ورجال الأعمال على معامل ومنشآت علمية وبحثية طبية ودوائية وبيولوجية..إلخ، والأطروحات في هذا المجال عديدة تنتظر فقط من يبدأ ويفكر بجدية في الصالح العام.

ومن سيقوم بهذه المراجعة بكل صدق وشفافية وشجاعة مع النفس، ويبدأ في ذلك الاستثمار لن يحصن نفسه ضد وباء قادم وحسب، ولكنه سيدخل مرحلة ما بعد كورونا أكثر قوةً وتماسكاً وتحصيناً للبشر والنظام الاجتماعي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"