إنتان الدم مشكلة خطيرة تؤدي إلى الوفاة

01:14 صباحا
قراءة 6 دقائق

يقوم الدم بالعديد من الوظائف داخل الجسم، ومنها توصيل الغذاء إلى كل الخلايا، كما يمدها بالأكسجين اللازم لقيامها بالعمليات الحيوية والمهام المنوطة بها.
وتشمل كذلك الوظائف التي يقوم بها الدم حمل ثاني أكسيد الكربون من الخلايا، وحمل فضلاتها، والتي يلقيها خارج الجسم، من خلال أجهزة الإخراج المختلفة.
وتتأثر لذلك كل أجهزة الجسم بأي خلل أو مشكلة تصيب الدم، ويعد إنتان الدم من المشكلات الخطيرة، وبخاصة إذا لم يعالج على وجه السرعة.
يعرف هذا المرض بتسمم الدم أو تعفنه أو إنتانه، ويعد من الحالات الطارئة التي تحتاج إلى التدخل الطبي السريع، لأن التأخر ربما تسبب في تطورات مرضية خطيرة، وتفاقم لحالة المصاب بشكل سريع، وفي بعض الأحيان ينتهي بالوفاة.
وتنتشر بعض المفاهيم الخاطئة حول هذه الحالة، ومن ذلك أن السبب وراءها تناول المصاب لمادة سامة، أو أنه تعرض للدغ ثعبان أو عقرب، وكل هذه التصورات لا أساس لها من الصحة.
ونتناول في هذا الموضوع مشكلة إنتان الدم بكل تفاصيلها، مع بيان العوامل والأسباب التي تؤدي إلى هذه الحالة، وأعراضها وطرق الوقاية الممكنة وأساليب العلاج المتبعة والحديثة


الإنسان والحيوان


ترجع الإصابة بحالة إنتان الدم إلى وجود عدوى بكتيرية شديدة، انتقلت للدم من جسم الشخص، حيث تدخل بعض البكتيريا الخطيرة لمجرى الدم، ومن ثم تصل إلى الدم نفسه، ومن خلاله تدخل للأجهزة وخلايا الجسم المختلفة.
وتشير الدراسات إلى أن الإنسان والحيوان عرضة للإصابة بهذه الحالة، والتي تتميز بالتهابات عامة في الدم ومختلف أنسجة الجسم، وبسببها يصاب الدم بالتعفن.
وتتسبب هذه الحالة في حدوث اضطرابات ومشاكل كبيرة، والتي تهدد حياة المصابين في كثير من الأحيان، وبخاصة إذا لم تشخص الحالة ويتم علاجها على الفور.
ويقوم جهاز المناعة عند دخول البكتيريا أو الجرثومة للدم بمقاومتها، متبعاً الطرق المعتادة والطبيعية والتدريجية للمناعة، وتشمل هذه الطرق محاولة تعقيم الدم كله. ويؤدي نجاح البكتيريا في مقاومة جهاز المناعة إلى إصابة خلايا الدم بالالتهابات الكثيرة، وهو الأمر الذي يسبب نوعاً من العفن أو الإنتان.


يتطور سريعاً


يحتاج المصاب بإنتان الدم إلى علاج سريع وعناية صحية كبيرة، بالإضافة إلى تناول كمية مكثفة من المضادات الحيوية واسعة التأثير.
وتأتي خطورة تسمم الدم من أنه يتطور في وقت قصير، وتتفاقم الحالة مسببة الكثير من المضاعفات الخطيرة في وقت قليل.
وتعد أبرز الاضطرابات التي يؤدي لها هذا المرض هي معوقات كبيرة في عملية التمثيل الغذائي لخلايا الجسم، وبسبب ذلك تحدث مشاكل جسيمة في الأعضاء الحيوية.
ويلي ذلك خلل في هذه الأعضاء، وتوقفها عن الوظائف الطبيعية بالصورة الصحيحة لها، وبشكل مستمر ومتتابع.


العقديات والعنقوديات


يعد أبرز نوعين من البكتيريا وراء الإصابة بإنتان الدم هما العقديات والعنقوديات، ويعتبرا السبب الرئيسي في هذه الحالة، بالإضافة إلى أنواع أخرى من البكتريا والجراثيم.
ويمكن أن تنتقل البكتيريا المعدية أو الجرثومة من الجسم للدم نتيجة وجود خراج أو أكثر في أماكن مختلفة بالجسم، وفي بعض الحالات يكون السبب التهاب في العظام.
وتنتقل الجراثيم إلى بقية الجسم، ومن ثم تنتشر بشكل كبير فيه، وتتسرب للدورة الدموية، وتتسبب في اضطرابات شديدة.
ويحدث تسمم الدم بشكل أكبر لدى المصابين بالتهابات في الأوعية الدموية، كالتهابات الوريد الخثاري العميق والتهابات الشغاف، وكذلك الالتهابات التي تحدث بسبب قسطرة الأوعية الدموية.
ويكون سبب إصابة البعض بما يعرف بتسمم الدم المتقطع وجود التهابات موضعية، ومنها التهابات الرئة أو في الأنسجة الرخوة، وفي بعض الحالات يكون بسبب التهابات الجلد، وأيضاً الالتهابات التي تصيب المسالك البولية.


ضعف المناعة


يزيد خطر الإصابة بتسمم الدم لدى من يعانون ضعف المناعة، وبالذات من يتناولون أدوية كبح المناعة، بسبب زراعة أعضاء جديدة.
ويعد كبار السن عرضة بشكل كبير لهذه الحالة، وبخاصة عقب إجراء أي عملية جراحة، لأن المناعة تكون في أضعف حالاتها.
ويتعرض مرضى السكري بنسبة أعلى للإصابة بتسمم الدم، مقارنة بمن لا يعانون هذا الداء، وبحسب الدراسات فإن ارتفاع هذه النسبة يرجع إلى زيادة فرصة إصابتهم بالأمراض المزمنة.
ويضاف لذلك أن فرصة إصابتهم بالعدوى والالتهابات في أجزاء الجسم المختلفة كبيرة مع انخفاض المناعة لديهم.
العمليات الجراحية
يمكن أن يصاب بعض المرضى بإنتان الدم عقب دخول غرف العمليات لإجراء جراحة، وربما أتت الإصابة بالتسمم في المنطقة التي أجريت فيها الجراحة، ومن ثم ينتقل التسمم للدم ويصاب بالتعفن.
ويتعرض أكثر من 50% من المصابين بهذه الحالة للوفاة بعد ساعات قليلة من الإصابة بتعفن الدم، ويلاحظ أن هناك صعوبة في التعرف المبكر على تسمم الدم.
يرجع ذلك إلى أن الكثير من الحالات من الممكن أن تحدث بسبب التهابات أو أسباب داخلية، وليس نتيجة إجراء العملية الجراحية.


التشخيص المبكر


يساوي التشخيص المبكر لتسمم الدم أكثر من 90% من عمليات إنقاذ المصابين، كما أن التسمم لا ينتشر في الجسم كله، وإنما يصيب جزءاً وينتقل لآخر وهكذا. ويمكن أن يؤدي تفشيه في الجسم إلى الإصابة بفشل كلوي، ثم التهاب رئوي حاد، ومن الممكن أن يصل إلى التهاب كبدي. ويمتد في الحالات الشديدة إلى إصابة الجسم بالصدمة، والتي تتسبب في فشل كثير من الأجهزة، ومن ثم مضاعفات خطيرة، والتي تنتهي بالوفاة.


الخطر الأكبر


يعد الخطر الأكبر في تسمم الدم هو تشابه أعراض هذا المرض في المراحل الأولى مع أعراض الزكام بشكل كبير.
ويؤدي هذا التشابه إلى أن المريض يظن أنه مجرد عرض مؤقت وحالة عادية لمرض بسيط، وبالتالي فهو ليس في حاجة لطبيب أو عناية.
ويكتفي لذلك ببعض المسكنات أو المضادات الحيوية المعتادة عند الشعور بهذه الأعراض، وهو الأمر الذي يمثل خطراً حقيقياً على حياة المريض.


ضعف الإدراك


تشمل الأعراض كذلك الشعور بالكسل والخمول، وهو ما يجعله لا ينتبه لخطورة المرض الذي أصابه. ويعاني المصاب بإنتان الدم بعد انتهاء المرحلة الأولى شعوراً برعشة تسري في جسمه، وتشبه رعشة البرد.
وتصبح ضربات القلب أسرع، كما يصاب بارتفاع في درجة الحرارة، والدوخة والدوار، ويعاني هبوطاً حاداً في ضغط الدم.
ويلي ذلك تشتت في التركيز، مع ضعف في إدراك المصاب، وضعف المهارات الذهنية، ويصاب بحالة من الهذيان.


مشاكل التنفس


يصبح تنفس المصاب بالإنتان سريعاً، ومن الممكن أن يعاني ضيقاً حاداً في التنفس، وفي أحيان كثيرة يمكن أن تتعرض الرئتان لانسداد جزئي، وهو ما يجعل المريض يبذل مجهوداً كبيراً من أجل التنفس.
ويصاب بالاختناق، وبالتالي يكون في حاجة لوضعه على أنبوب أكسجين حتى يستطيع التنفس، كما يصبح لونه شاحباً، مع رغبة مستمرة في النوم.
ويؤدي تطور الإصابة بتسمم الدم إلى ظهور بقع حمراء على الجلد، وطفح جلدي، وسببه فشل بعض أجهزة الجسم في القيام بوظائفها، وذلك لأن الأكسجين الواصل للخلايا لا يكفيها للقيام بوظائفها الحيوية.
وتضم أعراض هذه المرحلة ضعف أو قلة كمية البول بشكل كبير، كما يتعرض المصاب لصدمة، وفي بعض الحالات يفقد المصاب وعيه، ومن ثم يدخل في غيبوبة طويلة، والتي ربما كانت نهايتها الوفاة.


حالة طارئة


تعد الإصابة بتسمم الدم حالة طبية طارئة، ولذلك فإن المصاب يتم إدخاله وحدة الرعاية المركزة، ويحدد الطبيب المعالج خطة العلاج بحسب عدة عوامل.
تشمل هذه العوامل نوع البكتيريا التي سببت المرض، وعمر المصاب، وحالته الصحية العامة، وأخيراً المضاعفات التي أدى إليه التسمم
ويبدأ العلاج بأخذ مجموعة من المضادات الحيوية واسعة الطيف وريدياً، وتمتلك هذه المضادات قدرة عالية في القضاء على مجموعة كبيرة من البكتيريا.
ويلي ذلك تحديد نوع البكتيريا التي سببت المرض، وذلك حتى يُعطى المريض نوعاً محدداً من المضادات الحيوية.


فترة الشفاء


يتراوح في الغالب مدة العلاج من 7 وحتى 10 أيام، وذلك بالنسبة للحالات البسيطة، وتزداد المدة عند التعرض لأي مضاعفات.
ويُعطى المريض السوائل الوريدية بهدف المحافظة على ضغط الدم، وأيضاً منع الإصابة بالجفاف أو حدوث جلطة دموية، وفي بعض الحالات التي تعاني مشاكل في التنفس يتم الاستعانة بجهاز تنفس صناعي.
ويمكن أن يحتاج بعض المصابين للخضوع لجراحة، وذلك بهدف إزالة مصدر العدوى، كأن يكون هناك تجمعات صديدية.


المراحل الأولى


يتعافى الكثيرون من المصابين بحالة إنتان الدم، وإن كان هذا يعتمد على مجموعة من العوامل، ويعد أبرزها سرعة تشخيص الحالة، ومعرفة نوع البكتيريا التي سببت التسمم. وتشمل العوامل أيضا تجنب تطور الحالة، بحيث لا يتعرض المصاب لأي مضاعفات، كما يلعب قوة جهازه المناعي دوراً في الشفاء. وتشير الإحصائيات إلى أن شفاء أكثر من 75% من المصابين بتسمم الدم، وذلك بشرط اكتشاف المرض في المراحل الأولى، وأيضاً عدم إصابة الأعضاء بالفشل.
ويؤدي تأخر تلقي الرعاية الطبية، وتعرض المصاب لصدمة إنتانية إلى أن نسبة الشفاء تتراوح بين 40% إلى 60%.
وتعد نسبة شفاء المسنين والأطفال الأقل، وذلك بحسب الإحصائيات الطبية، حتى في الحالات التي تكتشف مبكراً، ولا تتجاوز نسبة الشفاء في هذه الحالات 40%.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"