متى يصبح عدم الكفاءة جريمة؟

22:56 مساء
قراءة 3 دقائق
باتريك كوكبيرن

باتريك كوكبيرن *

كنت في بغداد عام 1998، أثناء الضربات الجوية الأمريكية، وكنت أشاهد الصواريخ تنفجر في ومضات من الضوء وهي تضرب أهدافها. انطلقت بعض النيران غير الفعالة من مضادات الطائرات، وكانت النتيجة الوحيدة هي سقوط قطع من شظايا الصواريخ من السماء، ما زاد من خطر الخروج من المبنى الذي كنا فيه.

 ولدهشتي رأيت مراسلًا، وهو صديق لي لديه خبرة طويلة في الحرب، يزحف إلى العراء لاستخدام هاتف يعمل بالأقمار الصناعية لا يعمل في الداخل. وعندما عاد، قلت له إنه يجب أن تكون مكالمة هاتفية مهمة للغاية بالنسبة إليه لاتخاذ مثل هذه المخاطرة، ضحك بمرارة، موضحاً أن سبب مكالمته هو أن صحيفته في الولايات المتحدة طلبت منه الاتصال ببعض «الخبراء» المتميزين في مركز أبحاث بواشنطن ليسألهم عن الهجمات الجوية.

 وعلى الرغم من أن صديقي كان شاهد عيان مطّلعاً للغاية على الأحداث التي كان يصفها، فقد أصر محررو صحيفته على الوصول إلى الخبرة المفترضة لمركز الأبحاث على بعد آلاف الأميال. وربما كان الدافع الأكثر سرية هو توجيه اللوم عبر المراسل في الموقع، وانتقاد الغارات الجوية.

 تذكرت هذه القصة عندما شاهدت بوريس جونسون، ووزراءه، يتفاعلون مع خبرائه الطبيَّين والعلميَّين، كريس ويتي، والسير باتريك فالانس، اللذين يتسمان أحيانا، بالاحترام، وأحيانًا بالرفض. والواقع أن السياسيين الذين يتصارعون مع الأزمات، سواء كانت حرباً أو وباءً، غالباً ما ينبهرون بالخبراء الذين يتعاملون معاملة الطبيب مع المريض، ويتحدثون بالمصطلحات الفنية. وينطبق الشيء نفسه على وسائل الإعلام، في معرفة ما إذا كانت هذه الخبرة الظاهرة لها قيمة عملية حقيقية في تجنب بعض المخاطر الملحة. وفي كثير من الأحيان ليس الأمر كذلك. فقد يعرف الطبيب، أو الأخصائي الأكاديمي الكثير عن كيفية عمل الفيروس داخل الجسم، ولكن ليس لديه فكرة، ولا خبرة عن كيفية منع انتشاره من شخص لآخر في حالة الوباء. هذه مهارة مختلفة تماماً.

 والسياسيون عاجزون عن اختيار الخبراء المناسبين، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنهم قد يكونون خارج نطاق عمقهم في أزمة ما. ولا حرج في هذا، طالما أنهم يتدخلون في خبرة شخص يعرف حقاً ما يجب القيام به وكيفية القيام بذلك. لقد نجحت هذه الاستراتيجية بشكل جيد بما فيه الكفاية من وجهة نظر الحكومة خلال الإغلاق الأول في بريطانيا، لكنها الآن تتطاير في الهواء حيث يرفض العلماء توفير غطاء سياسي للسياسات الفاشلة.

 مذكرة التوصية الصادرة عن المجموعة الاستشارية العلمية لحالات الطوارئ (sage ساج) بتاريخ 23 سبتمبر/ أيلول، التي نُشرت قبل أسبوع، أوصت بإغلاق الدائرة لمنع «وباء كبير جداً له عواقب وخيمة». ومن المفهوم أن رفض الحكومة لهذه التوصية احتل كل العناوين الرئيسية، ولكن في نهاية المذكرة كان هناك اعتراف غير عادي أكثر أهمية من الجدل حول إجراءات قطع الدوائر، وعمليات الإغلاق الإقليمية المختلفة.

 وقد كان من المفترض أيضاً أن يكون هذا النظام في صميم استجابة بريطانيا لفيروس كورونا، وأن تنفق الحكومة عليه 12 مليار جنيه استرليني. والوزراء في هذا يعترفون بفشلها، لكنهم يصورونها على أنها مشاكل حتمية ناشئة في مثل هذه الهيئة الكبيرة (ساج) التي تم إنشاؤها في مثل هذا الوقت القصير.

وربما تكون اللحظة التي كان من الممكن أن تكون فيها بريطانيا قد نجحت في احتواء فيروس كورونا، قد ولت. لكن لا يوجد أي مؤشر على أن جونسون، ووزراءه، تعلموا من أخطائهم. وكما سأل رجل دولة ألماني يائساً من جنرال خلال الحرب العالمية الأولى أراد المضي قدماً في هجوم مفجع: «أين تنتهي عدم الكفاءة، وتبدأ الجريمة؟».

* صحفي إيرلندي ومؤلف كتاب «الحرب في عصر ترامب» (كاونتر بانش)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​ صحفي وكاتب إيرلندي خبير في شؤون الشرق الأوسط

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"