عادي

الجزائر.. «نعم» للتعديلات الدستورية بنسبة امتناع قياسية

23:21 مساء
قراءة 4 دقائق
السياسي

د. محمد عزالعرب*

صوت الملايين من الجزائريين؛ في الأول من نوفمبر الجاري؛ ب»نعم»، رغم نسبة امتناع قياسية، في الاستفتاء على التعديلات الدستورية (حجم الكتلة الناخبة 25 مليون من إجمالي عدد السكان البالغ 44 مليون نسمة)، وذلك بعد موافقة البرلمان بغرفتيه بالإجماع على المسودة النهائية للدستور الجديد، في 10 سبتمبر الماضي، والذي تضمن عدداً من النقاط الخلافية بين الحكومة والائتلاف الحاكم والأحزاب الإسلامية وقوى الحراك الشعبي على نحو أدى إلى استمرار الجدل بشأنها على مدى عدة أشهر.

تم اختيار الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2020 موعداً للاستفتاء على الدستور؛ لأنه يمثل ذكرى انطلاق حرب الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي (1954- 1962)، بما يعد محفزاً لتحريك مشاعر قطاعات واسعة من الرأي العام الجزائري؛ بحيث جاء في أحد شعارات الحملة الانتخابية (1954 التحرير- 2020 التغيير)، غير أن نسبة مشاركة الناخبين بلغت 23.7 في المئة، وفقاً لما أعلنه رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، محمد شرفي، قبل احتساب الناخبين بالخارج، الأمر الذي يشير إلى مقاطعة قياسية للاستفتاء.

وتجدر الإشارة إلى أنه ساد المشهد الداخلي حدوث انقسام لافت إزاء تلك التعديلات، على النحو التالي:

 أنصار التأييد

* يتمثل أنصار حملة «نعم للتعديلات الدستورية» في أعضاء الحكومة وأحزاب الائتلاف الحاكم القديم مثل: جبهة التحرير الوطني، وركزوا على أن التعديلات الدستورية تمهد الطريق لوضع أسس لجمهورية جديدة، لاسيما بعد تقليص الولايات الرئاسية إلى عهدتين فقط، تبلغ مدة كل منها خمس سنوات، سواء كانت متصلة أو منفصلة، الأمر الذي يضع حداً لما أطلق عليه «تأبيد السلطة» في عهد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، والذي استقال تحت ضغط حراك الشعب.

 لذا، عد رئيس الوزراء عبد العزيز جراد في تصريحات بتاريخ 28 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، رفض المشاركة في التعديلات الدستورية «رجوعاً إلى عهد العصابة»؛ أي تحالف قوى بين مسؤولين سابقين ورجال أعمال متورطين في قضايا فساد، وتعاونهم مع أطراف في الخارج معادية للدولة، وقال جراد في موضع آخر إن «المال الفاسد لا يزال يحوم في مجتمعنا، وهو أكثر من فيروس كورونا».

وتبعاً لوجهة النظر هذه، فإن تعديل الدستور يصحح انحرافات على نحو ما ذكره جراد أثناء مشاركته في الحملة المخصصة للدعاية للاستفتاء بالتلفزيون الحكومي في 25 أكتوبر الماضي، بأن الدستور الجديد «يعيد بلدنا إلى السكة الصحيحة، بعد الانحرافات التي عرفها خلال السنوات الأخيرة، التي كادت تعصف بالوطن وتماسك الدولة ومؤسساتها»، في إشارة إلى حكم الرئيس بوتفليقة الذي دام عقدين من الزمن.

كما أن تلك التعديلات تؤدي إلى طي صفحة انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون، الذي رفضته قوى الحراك الشعبي، ولا تزال تعارض تركيبة نظامه، مع الأخذ في الاعتبار أن الاستفتاء على التعديلات يجرى مع وجود الرئيس تبون (75 عاماً) في ألمانيا؛ لإجراء فحوص طبية معمقة، وسبقها دخوله إلى مستشفى عسكري في الجزائر؛ إثر إصابة عدد من كوادر الرئاسة والحكومة المحيطين به بفيروس كورونا المستجد. ولم يذكر أي تفاصيل عن وضعه الصحي سوى أنه مستقر، من دون ذكر طبيعة المرض.

 أنصار المعارضة

* على الجانب الآخر، فإن أنصار حملة «لا للتعديلات الدستورية» أو المقاطعة لها هم الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية؛ (حركة مجتمع السلم وجبهة العدالة والتنمية) وقوى الحراك الشعبي وبعض قيادات اليسار انطلاقاً من التشكيك في مصداقية لجنة الخبراء التي قامت بإعداد هذه التعديلات؛ نظراً لأن الرئيس عبدالمجيد تبون هو من قام بتعيين أعضائها، على نحو يجعلها «تعديلات الرئيس» أو «دستور تبون». ويرون أن صاحب التعديلات الدستورية (أي الرئيس عبدالمجيد تبون) غائب في الخارج، ويشككون في البيانات الصادرة عن الرئاسة، وبدأوا يطرحون تكرار «السيناريو البوتفليقي» مع تبون، لاسيما في حالة إطالة مدة علاجه في الخارج.

وفي هذا السياق، يتداول في الفضاء العام الجزائري فرضية الاحتكام إلى المادة الدستورية التي تتحدث عن «عزل الرئيس» في حال ثبوت مانع صحي نتيجة مرض خطر ومزمن على نحو قد يعيقه عن الاستمرار في الحكم. ووفقاً لهم، فإن البرلمان الحالي غير مؤهل كذلك لمناقشة مشروع الدستور ومن ثم فإنهم لا يعترفون بموافقة البرلمان بمجلسيه على المسودة النهائية للدستور. فضلاً عن رؤيتهم الخاصة باستمرار اعتقال المعارضين ورفض الحكومة الإفراج عن النشطاء. كما يرون أن القضاء لم يكن خاضعاً للسلطة التنفيذية مثلما هو الوضع حالياً.

 لذا، يعدون أن الدستور الجديد لا يحقق آمال الشعب الجزائري في التغيير الحقيقي والشامل، ولا يرقى إلى مستوى تعهدات رئيس الدولة. وتبعاً لرؤيتهم، فإن أحد الانتقادات التي توجه لتلك التعديلات أنها تحافظ على الصلاحيات والسلطات الواسعة التي منحها الرئيس السابق بوتفليقة لنفسه في ثلاثة تعديلات أدخلها على الدستور؛ بل يرون أن هذا الدستور «المعدل» سوف يؤدي إلى إطالة عمر النظام الذي طالب الحراك بتغييره جذرياً.

يضاف إلى ذلك أن التعديلات الدستورية الجديدة لم تتعامل مع إشكالية رئيسية شهدتها البلاد في فترات زمنية سابقة تتعلق بعجز الرئيس عن أداء مهامه. فحينما مرض الرئيس بوتفليقة وتولى سعيد إدارة شؤون البلاد بشكل غير مباشر، فالمادة «94» في التعديلات الجديدة كررت المادة «102» في دستور 2016 التي تنص على أنه «إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه؛ بسبب مرض خطر ومزمن، تجتمع المحكمة الدستورية بقوة القانون ومن دون أجل وتقرر تولي رئيس مجلس الأمة رئاسة الدولة بالنيابة». وهنا، يصبح التساؤل ما هي الجهة الطبية ذات الصلاحية الدستورية التي تبلغ المحكمة بمرض الرئيس فتجتمع الأخيرة فوراً.

 تمرير التعديلات

* خلاصة القول إنه تم تمرير التعديلات الدستورية لعدد من الاعتبارات، أولها أن موقف الحراك الرافض كان ضعيفاً بما لا يمكنه من التأثير في توجهات الناخبين بعدم الموافقة على الدستور، لاسيما في ظل غيابه عن الوقفات الشعبية؛ إثر جائحة كورونا. ثانيها، انقسام وتشتت صفوف المعارضة وعدم قدرتها على طرح خيارات بديلة للتحديات الداخلية المختلفة. ثالثها، تخوف قطاعات واسعة من الرأي العام الجزائري من دخول البلاد في دوامة لا تنتهي في حال رفض التعديلات الدستورية أو الإنصات لرؤى المعارضة المطالبة بمؤسسات انتقالية تقوم بوضع دستور جديد.

*رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"