عادي

دمشق.. المحادثات الدستورية مكاسب سياسية

01:21 صباحا
قراءة 4 دقائق
2

د. محمد فراج أبو النور*

 بانتهاء الجولة الرابعة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية يوم الجمعة الماضي (4 ديسمبر) ودعوة المبعوث الدولي (جير بيدرسون) لانعقاد الجولة الخامسة أواخر يناير القادم يمكن القول بقدر كبير من الثقة إن الانتخابات الرئاسية القادمة في سوريا (إبريل 2021) ستجري على أساس الدستور الحالي، وإنه لا توجد أمام الرئيس السوري بشار الأسد أي عقبة جدية تمنعه من الفوز بفترة رئاسية أخرى.

الجولة القادمة من مناقشات اللجنة الدستورية ستبدأ البحث في صلب موضوع عملها، أي المبادئ الأساسية للدستور مثل حقوق المواطنة المتساوية، والفصل بين السلطات، واستقلال القضاء، وقضايا الحريات، فضلاً عن القضايا المتصلة بمعالجة أوضاع اللاجئين والنازحين، وغيرها من الموضوعات الدستورية والقانونية شديدة التعقيد، لتنتهي إلى تعديل الدستور الحالي – وهو ما يدعو إليه الوفد الحكومي – أو وضع دستور جديد، وهو ما يدعو إليه وفد المعارضة.

 وإذا كان الاتفاق على آليات عمل اللجنة، وجدول أعمالها، ومناقشة عدد من «الثوابت الوطنية» أو ما يعرفه الفقهاء الدستوريون بالقواعد أو المواد فوق الدستورية قد استغرق عاماً كاملاً، لم تنعقد خلاله سوى أربع جولات منها اثنتان في نوفمبر الماضي (2019) وثالثة في أغسطس 2020 والرابعة هي التي انتهت مؤخراً، إذا كانت الموضوعات التي أشرنا إليها قد استغرقت كل هذا الوقت، فلنا أن نتخيل الوقت المطلوب لمناقشة الدستور بأكمله بين أطراف مختلفة سياسياً وأيديولويجاً ومتباينة المصالح إلى أبعد الحدود!

 صحيح أن جائحة كورونا كان لها دور مهم في إرباك وتأخير اجتماعات اللجنة الدستورية، إلا أن الخلافات والضغوط المتبادلة كان لها الدور الأكبر في تعطيل عملها.. وهو ما ينبغي توقع وجود قدر أكبر منه بكثير حينما يبدأ العمل في إقرار المبادئ الدستورية، ثم في صياغة الدستور.

 اللجنة الدستورية والعملية السياسية

 على الرغم من ذلك كله يمكن القول إن الطرفين - الحكومة والمعارضة – قد حققا قدرا لابأس به من التقدم في الحوار بينهما، خاصة إذا وضعنا في اعتبارنا غياب كل وسائل ومسارات التواصل الأخرى بين الحكومة والمعارضة، بعد أن وصل مسار جنيف الأول إلى طريق مسدود، ليحل محله (مسار آستانة) برعاية الدول الضامنة الثلاث (روسيا وتركيا وإيران) ثم تعطلت أغلب قنوات هذا المسار بدورها بسبب مراوغات إردوغان ومغامراته العسكرية العدوانية سواء في إدلب أو في شرق الفرات.

 المعروف أن تشكيل اللجنة الدستورية كان فكرة روسية وافقت عليها تركيا وإيران في مؤتمر سوتشي (يناير 2018) للحوار السوري، ثم قبلتها المجموعة الدولية المصغرة (أمريكا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا ومصر والسعودية والأردن)، غير أن الاتفاق على تشكيل اللجنة نفسه استغرق وقتاً يزيد على العام ونصف العام!! واقتضي مفاوضات شاقة، ليتم الاتفاق على تشكيلها أخيراً من (50 عضواً) يمثلون الحكومة السورية و(50 عضواً) يمثلون المعارضة و(50 عضواً) يمثلون منظمات المجتمع المدني.. وهذه الأخيرة بالذات جرت مناورات طويلة بين موسكو وأنقرة ودمشق للاتفاق على ممثليها، حتى لا يختل توازن التصويت داخل اللجنة، وتميل الكفة لصالح أحد الطرفين.

ومن الأهمية بمكان هنا الإشارة إلى أن دول «المجموعة الدولية» اشترطت للموافقة على تشكيل اللجنة الدستورية والتعاون معها والاعتراف بنتائج عملها، أن يجري ذلك كله تحت الإشراف الكامل للأمم المتحدة، حرصاً على عدم اندثار (مسار جنيف) ومرجعيته الأساسية، قرار مجلس الأمن رقم (2254).

 تغيرات في موازين القوى

 النقطة الجديرة بالملاحظة هنا، هي أنه مع بدء العمل لتشكيل اللجنة، ثم بدء اجتماعاتها، كانت دمشق قد أخذت تحقق مكاسب عسكرية مهمة على الأرض، وتحرر بالتدريج أجزاء جديدة من الأراضي السورية من قبضة الإرهاب، ما أسقط فعلياً الدعوة الغربية للإطاحة بالرئيس الأسد، ورفض التعامل معه، وبالتالي ما يدعو إليه قرار (2254) من إقامة سلطة انتقالية) – غير سلطة الأسد – تكون مدعوة لوضع دستور جديد وإجراء انتخابات على أساسه.. وأصبح حكم الرئيس الأسد معقولاً من جانب الدول الغربية الكبرى كأمر واقع، ويجري التعامل معه في مجالات عديدة، بالرغم من العقوبات الغربية القاسية، وخاصة العقوبات الأمريكية، وبالأخص «قانون قيصر».. وبالتالي أصبح مقبولاً التفاوض مع «النظام» حول تعديل أو تغيير الدستور بغض النظر عن نصوص القرار (2254).

وكما أن «شرعية النظام» قد تعززت كثيراً بسيطرته على أكثر من ثلثي مساحة البلاد (علماً أن هذه الشرعية لم تكن محل جدال في الأمم المتحدة، في أي وقت.. وهي نقاط الشرعية الدولية الأولى والأخيرة) فإن تحرير هذه المساحات الشاسعة واسترداد مواردها، أتاح قدراً من التحسن في الأوضاع الاقتصادية، وسمح بقدر من التقدم في إعادة الإعمار، وإن يكن ذلك كله يجري بصعوبة بالغة، إلا أنه شجع أعداداً متزايدة من اللاجئين على العودة إلى البلاد وخاصة من الدول التي تعاني أوضاعاً اقتصادية صعبة كلبنان والعراق والأردن.. كما سمحت الأوضاع بعودة أعداد متزايدة من النازحين  إلى ديارهم. ولاشك أن هذه الحقائق تعطي قوة للحكم وتمثل تعزيز الشرعية الجماهيرية.. ومن ثم فإن مواقف الوفد الحكومي تزداد قوة وتشدداً في محادثات اللجنة الدستورية، وتعزز قدرته على مواجهة الضغوط.

 ضعف المعارضة وألاعيبها

 من هنا فإن المعارضة التي كانت تضغط بشدة في البداية من أجل تحديد جداول زمنية لإنجاز المحادثات الدستورية، وجدت نفسها عاجزة عن فرض هذه الجداول، وكان المقصود هو إنجاز الدستور قبل موعد الانتخابات الرئاسية (اإبريل 2012) ومن ثم ممارسة شتي الضغوط على ملايين اللاجئين (في تركيا وحدها أكثر من ثلاثة ملايين) والسعي لإسقاط الرئيس بشار الأسد في هذه الانتخابات وهو ما أصبح متعذراً الآن، حيث أن دمشق فرضت موقفها القائل بأن المفاوضات يجب أن تأخذ ما تحتاجه من وقت.. بل إن المبعوث الأممي (جير بيدرسون) أصبح يوافق على هذا الرأي ويقول «إن اللجنة الدستورية لا جدول زمنيا لها» (الحرة – 2 ديسمبر 2020).

 غير أن هذا لا يعني استسلام المعارضة بالطبع فهناك مثلاً قرار اتخذته المعارضة بالدعوة لإقامة (مفوضية للانتخابات) تابعة لها.. وهي فكرة محكوم عليها بالفشل في ظل الضعف الواضح للمعارضة. وهكذا فإن الانتخابات الرئاسية القادمة ستجري في ظل دستور (2012).. ولا عائق جديا أمام الأسد للفوز بها..

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"