عادي

رقصة التانجو.. حشد المشاعر واستنفار طاقات الحب الكامنة

12:17 مساء
قراءة 3 دقائق
رقصة التانجو.. حشد المشاعر واستنفار طاقات الحب الكامنة

الشارقة: أوميد عبد الكريم إبراهيم

بمجرد ذكر اسمِ «رقصة التانجو»؛ يخالُ للمرء للوهلة الأولى رجل وامرأة في كاملِ أناقتهما يرتديان الأسودَ في الأغلب، وهما يتمايلان بحركات متناسقة ومنمقة؛ تاركَين لجسديهما حرية التعبير عمّا يختلج في صدريهما من فيض المشاعر وتأجج الغرائز؛ أمام فرقة موسيقية عريضة موحَّدة الأزياء؛ وسطَ قاعةٍ باذخةِ الفخامة مملوءة بصفوة المجتمع؛ تعكس مخمليةَ الشرائح التي تتخذ هذه الرقصة جزءاً من نمط حياتها؛ إلا أن عودةً سريعةً إلى أصول هذه الرقصة تكشف وجهاً آخر شديد القتامة، وكيف أنها بدأت بين الطبقات المسحوقة التي اتخذتها ملجأً يؤويها من وحشة العالم، وحضناً حانياً يبعث الدفء في ثنايا أرواح أنهكها زمهرير الواقع.
على الرغم من اقتران اسمها بالأرجنتين؛ فإن الانطلاقة الحقيقية لرقصة التانجو بدأت مطلع ثمانينات القرن التاسع عشر «1880» في مدينتي بوينس آيرس الأرجنتينية، ومونتيفيديو الأورجوايانية في نفس الوقت؛ قبل أن تغزو العالم بأسره لاحقاً، ومردُّ هذا الاقتران هو أن التانجو اعتُبرت امتداداً لرقصات أرجنتينية تراثية تأثرت هي الأخرى بإيقاعات إفريقية قديمة وأوروبية وسطى؛ لا سيما الإسبانية؛ قبل أن تتطور أدواتها متأثرةً بالثقافات الشعبية والتقنيات والأساليب الموسيقية التي جلبها معهم المهاجرون الأوروبيون إلى الأرجنتين بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر خلال عصر الإمبراطوريات الاستعمارية.

دلالات صارخة
إلى جانب تسببها بكثافة سكانية خانقة في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس؛ تسببت الهجرة الأوروبية إلى الأرجنتين بخلق أنماط هجينة من العادات والسلوكات على مختلف الصعد؛ من بينها الموسيقى؛ حيث كان المهاجرون يقطنون عشوائيات يخيم عليها الشقاء بكل تجلِّياته، ووسط هذا الاكتظاظ السكاني والاختلاط العشوائي؛ انصهرت الثقافات في «بوتقة البؤس» التي تمخضت عنها رقصة التانجو وفق بعض الروايات، والتي تفيد بأن لها «دلالات حميمية صارخة بين الرجل والمرأة»؛ كشكل من أشكال تعويض الحرمان الذي عاشته تلك الطبقات المهمشة.
تغيرت تلك الصورة النمطية القاتمة لرقصة التانجو بعد أن غزت العالم نهاية العقد الأول من القرن العشرين، ودخلت الصالونات الأرستقراطية في كبرى عواصم الفن والأناقة حول العالم؛ فبات اسمها مقترناً بطبقات المجتمع العليا، وتغيرت معانيها ودلالاتها لتصبح أحد مظاهر البذخ والترف في التعبير عن مشاعر الحب بين العشاق من أبناء الطبقات المجتمعية المرموقة، وهو ما تذهب إليه الأكاديمية كارمن برنان الأستاذة في جامعة باريس بالقول: «غزت رقصة التانجو الصالونات الأرستقراطية والشعبية في أوروبا، وبلغت روسيا القيصرية في عهد نيقولا الثاني، وفي بوينس آيريس انتقلت الرقصة من بيوت البغاء إلى الأماكن الراقية، وبلغ الشغف بموسيقى التانجو ذروته في أوروبا عشية الحرب العالمية الأولى، وحُذفت منها الكلمات التي تخدش الحياء الأرستقراطي».

جذور إسبانية
كان عشاق هذه الرقصة على موعد مع تسجيل أول أغنية تانجو عام 1917 على يد المغني الأرجنتيني كارلوس جارديل؛ لتتوالى بعد ذلك الأغاني واحدة تلو الأخرى تحت المسمى ذاته، وفي عام 1922 بدأت تتشكل ملامح الفرق الموسيقية الكبرى والأوركسترا؛ بهدف إبعاد صفة الشعبية عن رقصة التانجو، وخلق أنماط أنيقة ومعقدة منها، وشهد العام ذاته وضع مبادئ وقواعد وأساسيات رقصة التانجو داخل قاعات الرقص، ولا تزال متبعة إلى يومنا هذا؛ أما الموسيقى؛ فيتفق المؤرخون على أنها إسبانية المنشأ تُستخدم فيها آلات البيانو؛ الكمان؛ الهرمونيكا؛ الباص والأوكورديون؛ ثم أضيفت آلات أخرى مثل الكلارينيت والفلوت؛ في حين تعد عدة نظريات كلمة «تانجو» مصطلحاً مؤلفاً من شقين أحدهما إسباني، والآخر إفريقي.

أحزان راقصة
بطلب مشترك من الأرجنتين والأوروجواي؛ البلدين اللذين انطلقت منهما رقصة التانجو؛ عدّت منظمة اليونيسكو رقصة التانجو «جزءاً من التراث الثقافي الإنساني غير الملموس في العالم» في سبتمبر/ أيلول من عام 2009، ومن أنماط رقصة التانجو المختلفة باختلاف الفترات الزمنية والتطورات التي طرأت عليها: تانجو أرجنتيني؛ تانجو أوروجواياني؛ تانجو فنلندي؛ تانجو ليسو؛ تانجو نيوفو وغيرها الكثير، وتقول الأكاديمية كارمن برنان الأستاذة في جامعة باريس؛ إن «التانجو أشبه بالأحزان الراقصة، والأفكار التي تتأمل مصيراً بائساً، وتعكس مشاعر مثل الحنين؛ الإحباط، النقمة ومأساوية الواقع».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"