صاحبة الجلالة السيدة الكريمة

00:15 صباحا
قراءة دقيقتين

ثلاثة كتّاب روائيين كانت الصحافة، صاحبة الجلالة، طريقهم إلى نوبل قبل الأدب أو في موازاة الأدب:.. جابرييل جارسيا ماركيز، وإرنست همنجواي، وألبير كامو. حاز ماركيز نوبل في عام ١٩٨٢، وحصل عليها أرنست همنجواي في عام ١٩٥٤، وذهبت إلى ألبير كامو في عام ١٩٥٧.
ذاق ماركيز الجوع، وعرف الفقر في بداية حياته، ولكن الصحافة أنقذته من الحاجة والفاقة قبل أن ينقذه الأدب، وكانت مهنة المتاعب بالنسبة إليه مهنة البحث عن سرّ الغامض والمنسي والمجهول، فأحبّها، أو قل إن الصحافة هي التي أحبّته، فأعطته أكثر مّما أعطاها، ويكفي أن قلمه الصحفي، عرف طريقه الأدبي من خلال هذه المهنة التي بقيت هاجس حياته، حتى وهو في شيخوخته.
كتب ماركيز «قصة موت مُعلن» وهو في بداية عمله الصحفي، وانتظر ثلاثين عاماً إلى كتابة هذه الرواية عندما وقع حدثها في عام ١٩٥١.. يقول في كتاب «رائحة الجوّافة».. إنه لم يكن مهتماً بالحدث الذي ذهب ليغطيه في حادثة قصة موت معلن بوصفه مادة لرواية، بل كان مهتماً به كمادة لمقال صحفي.. «..لكن ذلك الأسلوب الصحفي كان ضعيف التطور في كولومبيا في ذلك الوقت، وكنت صحفياً في جريدة محلية لم تكن تعير هذا الأمر أية أهمية بالمرّة، بعد ذلك بسنوات عدة، بدأت أفكر في الموضوع بصيغة أدبية...».
كانت المادة الصحفية أو الكثير منها في أرشيف ماركيز هي المادة الأولية (الخام) للرواية، وحتى الواقعية السحرية التي عرف بها صاحب «الحب في زمن الكوليرا» في جزء منها هي واقعية صحفية إن جاز الوصف.
كانت الصحافة كريمة أيضاً مع إرنست همنغواي وإن كان صاحب «العجوز والبحر» أقل شغفاً بصاحبة الجلالة من ماركيز، لكن، ظل في داخله ذلك الصحفي المغامر، الجريء، بخاصة عندما كان يعمل مراسلاً حربياً.
قبل عام، وعن إحدى دور النشر في باريس صدر كتاب بعنوان «ألبير كامو صحفياً» للأكاديمية الفرنسية ماريا سانتوس، تقول فيه إن صاحب «الغريب» المولود في إحدى مدن الشمال الجزائري عمل في صحيفة جزائرية (المادة من ترجمة أحمد عثمان).. وتقول إن كامو ظل الصحفي الغربي الوحيد الذي استنكر قصف هيروشيما وناغازاكي، وتقول: زار كصحفي ميداني منطقة القبائل في العام 1939 مدة عشرة أيام..«..جمع معلومات كثيرة، أجور الفلاحين، عدد المدارس، نسبة الأطباء إلى مجموع السكان». أما أسلوبه الصحفي فهو نفس أسلوبه الأدبي، كما تقول سانتوس.. «..وكان يشعر بالراحة مع المصحّحين وعمال المطابع الذين يعملون طوال الليل في تجهيز الصحيفة».
الصحافة طريق إلى الكتابة، مثلما الأدب طريق آخر إلى الصحافة، وفي الحالين، لا توجد حلاوة من دون نار، ولا يعمّر في الجريدة وفي الكتاب إلاّ الأصيل.
[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"