عودة باراك «الصديق اللدود» لنتنياهو

02:56 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

تبدو الحياة السياسية والحزبية في الدولة العبرية أقل استقراراً من النظام السياسي، وتشهد حراكاً غريباً يتمثل في نشوء أحزاب على وجه السرعة واختفاء أحزاب أخرى. وتمثل الانتخابات البرلمانية فرصة ليس فقط للتنافس والصراع، وهو أمر تتسم به كل انتخابات، بل كذلك مناسبة لظهور أحزاب جديدة تنشأ على أيدي سياسيين أو جنرالات متقاعدين.
في انتخابات مارس / آذار الماضي ظهر تكتل يضم جنرالات سابقين باسم أزرق أبيض بزعامة بيني غينتس، وقد نافس تكتل الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو منافسة شرسة، وخسر بفارق مقعد عن الليكود. وبعد نحو مئة يوم تبدو فرص هذا التكتل أقل حظاً مع عودة إيهود باراك رئيس الحكومة ورئيس الأركان الأسبق إلى حلبة الحياة الحزبية، مع استعداده للإعلان عن إنشاء حزب جديد، وخوض المعترك الانتخابي ضد نتنياهو. وباراك ( 77 عاماً) هو رئيس سابق لحزب العمل، وهو حزب يشهد انهياراً مدوياً، ولا يجد أعضاؤه وقياديوه السابقون غضاضة في التخلي عنه، وإنشاء أحزاب جديدة، فالسوق الانتخابية تتطلب طرح ما هو جديد وجذاب للجمهور.
ويُنتظر خلال هذه الأيام الإعلان عن هذا الحزب، ومع الإعلان عنه تندلع حملته للانتخابات المقررة في سبتمبر / أيلول المقبل.
ارتبط باراك بصداقة طويلة مع نتنياهو «أعرفه منذ 50 عاماً»، يقول باراك عن نتنياهو، وكان إلى ذلك رئيساً له في إحدى الوحدات العسكرية في سبعينات القرن الماضي. كما نجح في هزيمته في انتخابات عام 1999. ومع إعلانه لترشحه للانتخابات شن باراك حملة مريرة على «نتنياهو الفاسد»، داعياً إياه إلى العودة إلى بيته بإرادته الحرة.
وعلى الرغم مما يتمتع به الرجل من خبرات ومن سجل في الخدمة على أعلى المستويات، فإن حظوظه في منافسة المعسكر اليميني ليست كبيرة. أولاً لضخامة هذا المعسكر على رغم الفروق بين مكوناته، ولأن المجتمع السياسي ثانياً ينزع بوضوح نحو اليمين والتطرف، وأما في المعايير «الإسرائيلية» فإن باراك ينتمي لتيار وسط اليسار، الذي يضم حزب العمل وحركة ميرتس. وأما في التقديرات حتى الآن فإن باراك وحزبه الجديد (المجهول الاسم) لن يحظى بأكثر من 8 مقاعد. علماً بأن موجة الاستطلاعات متحركة ومتذبذبة وتتأثر بظروف شتى داخلية وخارجية، وحظوظ الفوز والخسارة مرشحة للصعود والهبوط إلى موعد ال 17 من سبتمبر / أيلول. على أنه يبقى أن نتنياهو يحمل فرصاً أكثر من سواه، لأسباب متعددة، منها قيادته للمعسكر اليميني، ومنها دفعه للإدارة الأمريكية لنقل السفارة إلى القدس، والتسليم بتسمية الاحتلال للمدينة عاصمة له، إضافة إلى موجة التطبيع العربية مع «تل أبيب». واتهامه بالفساد لم ينل كثيراً منه، إذ تقدم لانتخابات إبريل / نيسان وسيف الاتهامات مشهر عليه، ومع ذلك حقق فوزاً وإن بصعوبة على أبرز منافسيه، وهم جنرالات حزب «أزرق أبيض» حديث النشأة آنذاك. وهذا الحزب بصفته «أقل يمينية بقليل!» من الليكود، هو من سيتأثر بترشح باراك، وإعلان حزب الأخير المتوقع، فمكانة الدولة العبرية بقيادة نتنياهو لا تتراجع، بل إنها تتقدم. والعلاقة مع الولايات المتحدة تثبت القبول في واشنطن بأجندة دولة الاحتلال كما هي. وصفقة القرن مصير الإعلان عنها مجهول. وقد جرى تنفيذ أجزاء مهمة منها قبل الكشف عنها.
فضلاً عما تقدم، فإنه على الرغم من تصنيف باراك على أنه ينتمي إلى وسط اليسار، بالنظر إلى تاريخه الذي يمتزج فيه الدم بالمراوغات السياسية، فإن هويته الجديدة لم تتضح بعد، ولن يرفض بطبيعة الحال نقل السفارة الأمريكية إلى القدس أو الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال. ومعنى ذلك أنه سوف يتكيف مع التطورات الجديدة، وسوف يبدأ من النقطة التي توقفت عندها هذه التطورات.
وعليه، فإنه ليس من المنتظر أن يقع شيء جدّي في هذه الانتخابات، باستثناء عودة القوائم العربية إلى التوحد في قائمة مشتركة، وذلك بعد التجربة الفاشلة والبائسة في انتخابات إبريل بتقسيم الكتلة إلى كتلتين، والادعاء بأن ذلك سوف يؤدي إلى انتزاع مزيد من المقاعد. وكانت النتيجة خسارة ثلاثة مقاعد. أما المجتمع الصهيوني، فسوف يحاول إعادة تدوير أرباحه السياسية على الكتل والأحزاب القديم منها والجديد، مع أرجحية ملموسة لمعسكر اليمين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"