عادي

منطقة التجارة الحرة تفك قيود العزلة عن إفريقيا

01:13 صباحا
قراءة 6 دقائق
Video Url
1

إعداد: هشام مدخنة
ساهم وباء «كورونا» في عام 2020 بإعادة تشكيل البلدان والمجتمعات بسرعة فائقة، وغيرت استجابتنا للجائحة الأنظمة السياسية والاجتماعية، وخلقت أعرافاً اجتماعية جديدة، ولا يزال العالم يواجه عدداً كبيراً من التحديات التي تتطلب إجراءات جماعية.
 ولا يزال التأثير الاقتصادي الكامل لوباء «كوفيد-19» غير واضح تماماً؛ حيث توقع صندوق النقد الدولي انكماشاً تاريخياً للناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 4.4% في عام 2020، مقابل انتعاش جزئي وغير منتظم في عام 2021، مع نمو بنسبة 5.2%.
وبالرغم من كل التحديات التي طرحتها أزمة «كوفيد-19» رأينا صعوداً في الأفكار الشعبوية والحمائية والأحادية، وفي الأول من يناير/ كانون الثاني الماضي، تم إطلاق «منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية» بشكلها الفعلي، والتي من المرجح أن تغير وبشكل مثير قواعد اللعبة الحالية.
وزادت جائحة «كوفيد-19» من أهمية نجاح منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، على الرغم من كل التحديات، وهو نجاح وصفه الرئيس الغاني نانا أكوفو-أدو بأنه أصبح الآن في متناول اليد.
وتستدعي تحديات التجارة وسلاسل التوريد العالمية ضرورة توثيق التكامل بين الدول الإفريقية؛ حتى تتمكن من تعزيز الاكتفاء الذاتي المتبادل، وتقوية اقتصاداتها وتقليل اعتمادها على المصادر الخارجية.
التحول لإفريقيا
وتمثل إفريقيا 2% فقط من حجم التجارة العالمية، وتمثل الصادرات الإفريقية داخل القارة 17% فقط مقارنة ب 59% لآسيا، و68% لأوروبا، ولذلك فإن إمكانية التحول إلى إفريقيا والاعتماد عليها كبيرة جداً، وبحسب الاتفاقية، سيتم إنشاء أكبر منطقة تجارة حرة في العالم تقاس بعدد الدول المشاركة، تربط 1.3 مليار شخص في 55 دولة بإجمالي ناتج محلي إجمالي تقدر قيمته ب 3.4 تريليون دولار، والأهم أن الاتفاق يأتي في وقت يصرف فيه معظم العالم نظرهم عن التعاون أو التجارة الحرة.
خفض تكاليف التجارة
وتهدف الاتفاقية الجديدة إلى خفض جميع تكاليف التجارة، وتمكين إفريقيا من الاندماج بشكل أكبر في سلاسل التوريد العالمية؛ حيث ستلغي 90% من التعريفات الجمركية، وتركز على الحواجز غير الجمركية المعلقة، وتخلق سوقاً واحدة تتمتع بحرية حركة السلع والخدمات، وبالتالي تحقيق مكاسب كبيرة في الدخل، وإلى جانب التجارة، تتناول الاتفاقية أيضاً حركة الأشخاص والعمالة والمنافسة والاستثمار والملكية الفكرية.

الصورة
1

 

 6 فوائد كبيرة لإفريقيا والعالم


لقد حان الوقت نحو مزيد من التجارة والتعاون للتغلب على العديد من التحديات الحالية، وإعادة البناء بشكل أفضل في أعقاب أزمة صحية واقتصادية غير مسبوقة، فما الذي ستجلبه هذه الاتفاقية الجديدة لإفريقيا والعالم إن تم تنفيذها بشكل كامل؟


1 الحد بشكل كبير من الفقر

وفقاً لتقرير حديث صادر عن البنك الدولي، ستعمل الاتفاقية على زيادة الدخل الإقليمي بنسبة 7% أو ما يعادل 450 مليار دولار، وتسريع نمو أجور النساء، وانتشال 30 مليون شخص من الفقر المدقع بحلول عام 2035، كما سيتم تعزيز أجور العمال المهرة بنسبة 9.8%، وأجور العمال غير المهرة بنسبة 10.3%.
وتسلط اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية الضوء على الالتزام الكبير والمتزايد للاتحاد الإفريقي بالحد من الفقر، من خلال رابط التجارة القوي، وكما صرحت نجوزي أوكونجو إيويالا، مدير عام منظمة التجارة العالمية: «إن التجارة قوة من أجل الخير، وفي حال تم تسخيرها بشكل صحيح، ستساعد في انتشال الملايين من الفقر وتحقيق الرخاء المشترك».


2  مكاسب واضحة للمرأة

تركز منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية بشكل واضح على تحسين حياة المرأة وتمكين دورها، فبعض المكاسب الاقتصادية التي حققتها المرأة من خلال التجارة، تواجه خطر الزوال جراء أزمة «كورونا»، ووفقاً للجنة الاقتصادية لإفريقيا، تمثل النساء حوالي 70% من التجار غير الرسميين عبر الحدود في إفريقيا، ومن خلال هذا العمل، يمكن أن يُصبحن عرضة للمضايقة والعنف ومصادرة البضائع وحتى السجن، واليوم ستمكّن التخفيضات الجمركية بموجب اتفاقية التجارة الحرة الجديدة النساء اللواتي يتاجرن بشكل غير رسمي من العمل عبر القنوات الرسمية، مما يوفر لهن حماية أفضل بلا شك، وفرص عمل جديدة أيضاً داخل قطاع التصنيع المتنامي.
وكما ذكر الأمين العام لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، وامكيلي مين، «ستكون المنطقة الجديدة فرصة لسد فجوة الدخل بين الجنسين، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة؛ للوصول إلى أسواق جديدة»، وهو أمر مهم؛ حيث إن الشركات الصغيرة والمتوسطة تمثل 90% من معدلات الوظائف في إفريقيا.


3 نتائج اقتصادية إيجابية

إن تنويع الصادرات وتسارع النمو، والاندماج التنافسي في الاقتصاد العالمي، وزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر، فضلاً عن توسيع الشمول الاقتصادي، وزيادة فرص العمل والدخل، ليست سوى مخرجات قليلة من فيض النتائج الاقتصادية الإيجابية، التي يمكن أن تحققها منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية.
وتشير التقديرات إلى أن الاتفاقية ستزيد صادرات القارة السمراء بمقدار 560 مليار دولار، معظمها في التصنيع، كما ستزيد الصادرات الداخلية بين دول القارة بنسبة 81%، وإلى البلدان الأخرى ب 19%.
ووفقاً لمؤسسة «مو إبراهيم»، التي يملكها رجل الأعمال السوداني محمد إبراهيم، يمكن أن تُولد اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، في حالة تنفيذها بنجاح، إنفاقاً مشتركاً للمستهلكين والأعمال يبلغ 6.7 تريليون دولار بحلول العام 2030، علاوة على ذلك، سيتم إعادة تشكيل الأسواق والاقتصادات في جميع أنحاء المنطقة، مما يؤدي إلى إنشاء صناعات جديدة وتوسيع القطاعات الرئيسية، وبشكل ملحوظ، من شأن المنطقة الحرة أن تجعل البلدان الإفريقية أكثر قدرة على المنافسة على الصعيد العالمي.


4  أولوية النزاهة التجارية

توفر منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية فرصة لتعزيز الحوكمة الرشيدة على مستوى العالم وعبر إفريقيا، من خلال مفهوم «النزاهة التجارية»، التي تُعرّف على أنها معاملات تجارية دولية مشروعة وشفافة وذات أسعار مناسبة لضمان شرعية نظام التجارة العالمي.
وهناك حاجة الآن أكثر من أي وقت مضى للمساعدة في الاستجابة للوباء، وتمكين معايير العمل العادلة وحقوق الإنسان، والتصدي للمشاركين في المعاملات التجارية المضللة والسلع المتداولة التي يمكن أن تسهل الجريمة العابرة للقارات، خصوصاً بعد أن جرّد انتشار السلع المبِيعة أو المنتجة بشكل غير قانوني، مثل التعدين وصيد الأسماك الجائر، أو السلع الناتجة عن عمل الأطفال والعمالة القسرية، الحكومات من الإيرادات الصحيحة والقانونية الداعمة لعملها.

 

5 تخفيف آثار كورونا

من المتوقع أن يكون الوباء قد سبب خسائر إنتاج تصل إلى 79 مليار دولار في إفريقيا، ويقدر ملحق توقعات الاقتصاد الإفريقي لعام 2020 الصادر عن مجموعة بنك التنمية الإفريقي، أن تصل خسائر الناتج المحلي الإجمالي في القارة لعام 2020 إلى 189.7 مليار دولار، كأسوأ سيناريو محتمل عن تقديرات ما قبل أزمة «كورونا»، ولا ننسى تعطل تجارة الإمدادات الطبية والمواد الغذائية، اليوم تعترف جميع الدول الأعضاء أن منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية تقدم فرصة قصيرة الأجل للبلدان لإعادة البناء بشكل أفضل، والتخفيف من آثار الوباء، وعلى المدى الطويل ستزيد الاتفاقية من إمكانية القارة على الصمود في وجه العقبات المستقبلية.

6  قدوة للعالم

في جميع أنحاء العالم، تشكك البلدان في الاتفاقيات التجارية والتكامل الاقتصادي، إلى جانب الابتعاد عن التعاون العالمي والقيادة والعمل الجماعي، وتقود الديناميكيات السياسية إلى القطبية والانعزالية، ومع ذلك، فإن التهديدات الكثيرة التي نواجهها تتطلب تفكيراً طويل الأمد وتعاوناً أكبر، وهذا هو بالضبط ما تمثله اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية، فبينما يسير العالم في اتجاه واحد، يتحرك الاتحاد الإفريقي في الاتجاه الآخر، من خلال تعميق الروابط عبر القارة.


الهروب من الإرث الاستعماري.. 3 تحديات مركزية

لا يمكن إغفال التحديات الكبيرة التي لا تزال تواجه المشروع الإفريقي الجديد، وعلى رأسها التنفيذ أو التطبيق؛ إذ سلط مقال صدر مؤخراً عن المركز الإفريقي للتحول الاقتصادي الضوء على كيفية تسريع الاتفاقية للتحول الاقتصادي، ومساعدة القارة على الهروب من الإرث الاستعماري، ويشدد في الوقت نفسه على أهمية التنفيذ وصعوبته، ويوصي باتباع نهج من قاعدة الهرم إلى القمة، ويركز على المشكلات الوطنية التي تتطلب حلولاً عابرة للحدود، مثل موارد المياه المشتركة، وأسواق الطاقة الإقليمية والطرق السريعة.
والتحدي الثاني هو الإنصاف أو المساواة؛ حيث سيكون من المهم أن نفهم من الذي سيكسب ومن الذي سيخسر من الاتفاق، فعلى سبيل المثال، قد يخسر المزارعون أصحاب الأملاك الصغيرة إذا كان التركيز الأكبر على زراعة «المحاصيل الربحية» على نطاق واسع، مما قد يؤدي إلى زيادة انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية؛ لذلك، يجب تتبع حالات الفقر والآثار الاجتماعية عبر القطاعات وحماية أولئك المتأثرين سلباً، حتى يتم استبدال الأنماط الاستخراجية للتجارة بسلاسل قيّمة وقوية، وزيادة التكامل والاستثمار بين الأقاليم وخلق المزيد من فرص العمل وتعزيز الدخل.
أما التحدي الثالث الذي يواجه المشروع فهو البنية التحتية، فبحسب بنك التنمية الإفريقي، تبلغ احتياجات البنية التحتية لإفريقيا نحو 130 إلى 170 مليار دولار سنوياً، مع وجود فجوة تمويلية بين 68 و108 مليارات دولار، مما يدفع تجارة معظم البلدان إلى الخارج بدلاً من الداخل.
 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"