صدمة الغرب المستمرة

03:40 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

بعد أكثر من نصف قرن على استقلال معظم الدول العربية عن الاحتلالات الأجنبية، إلا أن الغرب كمصطلح بقي خاضعاً إلى حدّ كبير لثنائية الشر المطلق والخير المطلق، ما أبقى الغرب نفسه في التحليل الفكري والممارسة السياسية، بالنسبة للعرب، مفهوماً أصمّ، على الرغم من محاولات كثيرة جادّة لتفكيك هذا المصطلح، وتخليصه من عقدة الثنائية، لكن محاولات المفكرين والباحثين شيء، وهيمنة تلك الثنائية على الفضاء العام شيء آخر، ويمكن تلمّس حالة الهيمنة في الإطار السياسي المباشر، أو في الخطاب الإعلامي، حيث ينقسم الفاعل العربي، من صنّاع القرار ولغاية النخب السياسية ورجال الدين والأحزاب وغيرهم، حول مفهوم الغرب، بين رافض بالمطلق، أو متماهٍ بالمطلق.
منذ أن انتهت الخلافة العثمانية، وانتهى معها عهد الولايات، ومع بداية العلاقة المباشرة مع الغرب، في صيغته الاستعمارية، وقف المفكر العربي، في بدايات القرن الماضي، أمام سؤال ماهيّة الغرب، انطلاقاً من الرغبة في الإجابة عن سؤال ماهيّة الذات، فقد كان السعي الأساس لدى مفكري عصر النهضة هو الإجابة عن سؤال: من نحن؟ وهو السؤال الذي أسس لجدل فكري وسياسي ما زال مستمراً، بصيغ وأشكال متنوعة، حتى اللحظة الراهنة، خصوصاً أن العلاقة غير المتكافئة مع الغرب/‏الاستعماري، بقيت من دون تغيير كبير في موازين القوى، والتي ظلّت راجحة، لمصلحة الغرب.
السؤال عن ماهية الذات، والذي عنى، ولا يزال الصيغة الجمعية، عرف تباينات فكرية كثيرة لجهة الإجابة عنه، ولقد أسست تلك التباينات لظهور تيارات سياسية متعددة، وأهمها التياران العروبي والإسلامي، اللذان شهدا هما أيضاً، في داخلهما، تناقضات عديدة، وتوجهات تفترق في الإيديولوجيا والممارسة السياسية، لكن التيارين تقاطعا في مسألة جوهرية، وهي الاستناد إلى التاريخ، فقد رأى العروبيون التاريخ بدلالة الجغرافيا واللغة والثقافة، بينما نظر الإسلاميون إلى التاريخ بوصفه ديناً وعقيدة، وفي كلتا الحالتين كان الحنين إلى الماضي هو الأساس في تعريف الذات، في مواجهة الآخر المختلف، كما حاول التياران تطعيم رؤيتيهما، في بعض الأحيان، بغلاف حداثي.
ولقد فرضت الهزيمة، في عام 1967، على العديد من المفكرين العرب، تقديم قراءات أكثر منهجية في قراءة الذات والآخر/‏الغرب، خصوصاً لجهة استخدام مناهج تحليل حديثة، فصدرت، منذ ذلك الوقت، نتاجات مهمة، لجهة اعتماد تعاطٍ معرفي وموضوعي، بعيداً عن الإسقاطات الإيديولوجية.
إن مفهوم الصدمة ليس مفهوماً سلبياً بالمطلق، فهو في جانبه الإيجابي يشكّل حافزاً على طرح أسئلة التاريخ والراهن والمستقبل، لكن استمرار اعتماد الإجابات الخاطئة عن الأسئلة الضرورية، والترويج لرؤى تصادمية مع الآخر، من شأنه أن يجعل الذات الجمعية تدور في فلك مغلق، ويجعلها في موضع الدونية تارة، أو في موضع الإحساس بالتفوق غير المبرر تارة أخرى.
إن انفجارات العالم العربي في السنوات الأخيرة، كان من شأنها أن تعيد طرح سؤال الذات الجمعية من جديد، لكن من زاوية أخرى، فلم تعد الإشكالية تقوم بدلالة التضاد بين الذات والآخر الغربي فقط، بل داخل الذات نفسها، خصوصاً مع تداعي الكثير من الدول الوطنية، وتراجع القضايا القومية، في إطارها الرسمي والشعبي على حدّ سواء، وتنامي التطرّف في بعض البلدان، لكن كل ذلك لم يمنع من استمرار الاستثمار في التناقض مع الغرب، خصوصاً من التيارات التكفيرية، في ظل عدم وجود بدائل وطنية حقيقية، ذات حوامل اجتماعية كبيرة.
إن الإحساس بالصدمة في العلاقة مع الغرب سيبقى مستمراً، لكنه ينتقل إلى مستويات أخرى، خصوصاً مع الفشل الذريع لمعظم الدول العربية في دخول عصر العولمة، لذلك، فإن استمرار الأوضاع العربية في التدهور من شأنه أن يزيد الهوّة بيننا وبين الآخر، كما من شأنه أن يعطي المشروعية للرؤية القائمة على الثنائية التصادمية مع الغرب، والتي تجعله شراً مطلقاً أو خيراً مطلقاً،.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"