حدود الصراع الأمريكي الإيراني

03:36 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

بعد تصفير عداد بيع النفط الإيراني، دخلت الجمهورية الإسلامية في أزمة نوعية، كان من شأنها رفع سقف المخاطرة الإيرانية، والاندفاع نحو التصعيد، وتهديد أمن الخليج، بشكلٍ مباشر، للقول إنها قادرة على خلط الأوراق، وتغيير المعادلات، عبر الذهاب بالصراع نحو حافة الهاوية، وفرض معطيات جديدة على ساحة الصراع، خصوصاً أنها، وعبر العقود الماضية، امتلكت قدرات ومهارات في خوض حروب غير متناظرة، أو اللجوء إلى ضرب الاستقرار، من أجل دفع عوامل كامنة إلى السطح، بغية إرباك أعدائها.
من جهتها، أرسلت الولايات المتحدة حاملة الطائرات «ابراهام لينكولن»، وقاذفات قنابل، إلى منطقة القيادة المركزية الأمريكية في قطر، واعتبر جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي، أن هذه الخطوة هي «رسالة جليّة إلى النظام الإيراني بأن أي هجوم على المصالح الأمريكية أو على حلفائنا سيقابل بقوة وبلا هوادة»، وقد أتت الخطوة الأمريكية بعد ورود عدد من التقارير عن هجوم محتمل على القوات الأمريكية، وهذه الخطوة الأمريكية هي إحدى نتائج التحوّلات التي حدثت في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد أن كان سلفه الرئيس الأسبق بارك أوباما، قد بدأ فعلياً خطوات كبيرة نحو التخلّي عن أمن الخليج.
لم تستفد إيران من الاتفاق النووي، الذي عقدته مع مجموعة «خمسة زائد واحد»، وعوضاً عن تكريس نتائج الاتفاق، وخصوصاً المالية، في تحسين الشروط المعيشية للشعب الإيراني، وبدء صفحة جديدة في السياسة الخارجية، نحو دول المنطقة، فقد ذهبت أكثر نحو تكريس نفوذها وهيمنتها في دول الجوار، معتمدة في ذلك على رغبة إدارة أوباما في الانكفاء عن المنطقة، وبالتالي أرادت، أكثر فأكثر، أن تصبح لاعباً مقرراً في سياسات ومصالح المنطقة، وإعادة تشكيلها.
لم تسعَ إيران إلى الإسهام في قيام نظام أمن واستقرار في المنطقة، بل أصبحت أكثر اعتماداً على القوى غير الدولية من أجل الهيمنة، حتى لو كان ذلك على حساب البنى الاجتماعية في الدول التي تدخّلت فيها، ومنعت بشكلٍ أساسي قيام حكومة عراقية قوية، بل إنها، على طول الخط، دعمت قيام كيانات سياسية وعسكرية موازية للدولة، مع تكريس مستويات غير مسبوقة من الفساد، وتحويل الدولة العراقية، وبناها المؤسساتية، إلى نظام زبائني، يقوم بالدرجة الأولى على الولاء لها.
في سوريا، وقفت إيران إلى جانب النظام، وساعدت على بناء سياسة متشددة تجاه الحل السياسي، متبعة الاستراتيجية ذاتها التي سلكتها سابقاً في العراق، وتمكنت من التحول إلى لاعب أساسي في الصراع على سوريا، وزجّت بمستشاريها وضباطها وقوات حليفة لها في الميدان العسكري، من دون حساب عواقب هذا السلوك المغامر على أمن المنطقة، مندفعة بفائض القوة لديها لتحقيق هيمنة واسعة في المشرق العربي، والذي يعد تاريخياً العمق الاستراتيجي لدول الخليج، وبوابتها البرية إلى أوروبا.
ترى واشنطن بأن سياسة العقوبات الاقتصادية والمالية على إيران كفيلة بأن تدفعها نحو إعادة التفكير بسياساتها، والانخراط في عملية بناء منظومة أمن واستقرار جديدة، وبالتالي، فإن واشنطن من الناحية العملية ليست معنية بنشوب حرب عسكرية، لكن إيران تدرك بأن استمرار العقوبات عليها، ومنعها من بيع النفط، ومحاصرتها بهذا الشكل الواسع، من شأنه أن ينعكس بشكل دراماتيكي على أوضاعها الداخلية والخارجية، وأن يجعلها تخسر كل ما استثمرت فيه خلال السنوات الماضية، إضافة إلى ما قد ينشأ من ضغوطات داخلية، وعودة الاحتجاجات الشعبية إلى الشارع، خصوصاً مع فقدان العملة الوطنية للكثير من قيمتها الشرائية، وكل ما يرتبط بالحصار الاقتصادي من أزمات، وفي مقدمتها الفقر والبطالة والاحتقان الاجتماعي والسياسي.
تدرك طهران، بأنها لا تمتلك حلفاء جديين في مواجهتها مع أمريكا، بل أن روسيا نفسها تطمح لأن يتوّج الضغط على إيران بانكفائها عن الساحة السورية، وقد أكد الرئيس فلاديمير بوتين، بصراحة أن «روسيا ليست فريق إطفائيين، ولا يمكننا إنقاذ كل شيء»، وبالتالي فإن المعادلات المنطقية تقول إن التصريحات والتحركات الإيرانية الحالية، وما تشتمل عليه من تهديدات، هي مجرد رفع لسقف التحدي، للدخول في جولة تفاوض من أجل تخفيف الضغط عنها، لكن درس التاريخ يقول إن المنطق لا يستطيع أن يضبط كل شيء، وأن مآلات الصراع قد لا تتشابه مع مقدماته، ما يجعل من احتمال تحوّل المواجهة الأمريكية الإيرانية إلى حرب أمراً لا يمكن استبعاده، حتى لو لم يكن منطقياً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"