الدراما تستطيع التغيير

00:02 صباحا
قراءة دقيقتين

هل تسألون بعد عن حقيقة تأثير الشاشة وما تعرضه في الناس؟ هل مازال هناك من يرغب في إقناعنا بأن ما نشاهده هو مجرد تسلية ومضيعة للوقت، وأن المسلسلات لا تعلّم الجمهور شيئاً، والناس لا يتبنون أفكار أبطالها وقصصها ويقتدون بهم؟ 
الجزء الثاني من سلسلة «ليه لأ؟» أحدثت زوبعة في المجتمع، لم تثر ضجة عادية، ولا صارت حكاية على كل لسان، بل صنعت حدثاً اجتماعياً، كأنها اخترقت كل البيوت لتدعو الناس إلى التحرك.. حثتهم على كفالة الأيتام، ألهبت العواطف، وحرّكت الضمائر، فاستجاب الناس بكل حماس وقناعة.
طبيعي أن تتوقع بعض الأمور حين تشاهد مسلسلاً مختلفاً عن المعهود، يكسر طوقاً اجتماعياً، ويطرح سؤالاً ليحرّض على التغيير الإيجابي، ويثير قضية لا ليثير جدلاً إنما ليحل أزمة. وطبيعي أن تتوقع مثلاً أن تكون منة شلبي بطلة المسلسل هي الرقم واحد في قائمة الأكثر بحثاً على «جوجل»، بسبب تميزها في الأداء وشدة قربها من الواقع ومن قلوب الناس. وطبيعي أن تتوقع أيضاً أن يحتل المسلسل الصدارة في قائمة الأكثر مشاهدة في مصر، فالعمل شديد الإتقان، وتستحق كاتبته دينا نجم، والمشرفة على الكتابة مريم نعوم، ومخرجته مريم أبوعوف، التصفيق والإشادة. 
غير الطبيعي أن تؤكد وزارة التضامن الاجتماعي المصرية أن «الإقبال على كفالة الأطفال اليتامى زاد منذ بدء عرض حلقات المسلسل»، وإثر حملة أطلقتها مؤلفة المسلسل وشاركت فيها منة شلبي عنوانها «#الأطفال_مكانها_البيوت». 
المسلسل يعالج قضية مهمة، ليست مستهلكة ولا متداولة، وقرّبها من الواقع إلى درجة دفعت الجمهور إلى التفاعل معها سريعاً، قضية احتضان الأطفال من دور رعاية الأحداث أو دور الأيتام. والمفاجأة أن هذا التفاعل جاء مبكراً، ولم ينتظر المجتمع نهاية المسلسل كي يبدأ بالتحرك، حيث زادت فعلياً، نسب طلب كفالة أطفال بشكل غير مسبوق، واستقبلت وزارة التضامن أكبر عدد طلبات تم تقديمه في عام واحد «في تاريخ الوزارة»، وهناك عدد كبير من الطلبات مقدم من قبل فتيات لم يسبق لهن الزواج، كما هو حال «ندى» في مسلسل «ليه لأ؟ ٢». الإتقان في المسلسل، وأداء منة، والطفل سليم مصطفى بدور يونس، وأحمد حاتم الذي يؤدي دور الرجل الواعي والمتقبل لفكرة الكفالة ودور الأب الذي ينوب عن الأم أيضاً، ويملك حناناً لابنته لا تملكه أمها (طليقته).. كلها عوامل ساعدت في إيصال الرسالة بشكل صحيح وعميق إلى الناس. 
نعم، الدراما تستطيع تغيير الأفكار وتغيير المجتمعات، ونعم، الفن يستطيع التأثير في الناس، ونعم، هو سلاح يحمله كل مؤلف ومخرج ومنتج وممثل بين يديه، فإما أن يدافع به عن قيم ومعتقدات وأخلاق وذوق وأدب ووعي وفكر لينهض وينهض معه المجتمع، وإما أن يقتل القيم وينزل بالفكر والحوار واللسان والوعي إلى الحضيض. فأي وجه يريده ويختاره الفنان والمؤلف والمخرج؟ هنا السؤال والسر.

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"