عادي

رغيف الأفغان.. وتعهدات «طالبان»

23:27 مساء
قراءة 4 دقائق

كتب -المحرر السياسي:
أنهكت سنوات الحرب العجاف على مدى أربعة قرون كل الجيوب والبطون الجائعة في أفغانستان، وحالت تهم الإرهاب وسوء الإدارات دون وصول المساعدات العالمية لمستحقيها من الشعب الفقير، ما وضع البلاد على شفا الهاوية.

يسارع قادة طالبان الذين استولوا على العاصمة كابول بعد خروج الأمريكيين منها لإقناع العالم بأنهم بشر عاديون لديهم كل مقومات التعايش السلمي مع دول العالم الأخرى في مسعى للحصول على شهادة «حسن سلوك» من أجل تسلم شحنات الدعم والمساعدة من دول العالم التي طغى عليها الشح في ظل الركود الاقتصادي الناتج عن تفشي كورونا، ما زاد من جرعات الوعود المعسولة التي تقدم لفقراء العالم بدءاً من إفريقيا وانتهاء بأفغانستان، بينما لا تقدم بعض الدول المانحة سوى الأعذار أو النذر اليسير لستر ماء الوجه.

مناشدات

وتستمر منظمة الأمم المتحدة في مناشدة دول العالم لتقديم المساعدات لأفغانستان؛ حيث حذرت قبل أيام من أن الوضع قد يتحول إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم، بعد يوم من دعوة حكومة طالبان المجتمع الدولي للإفراج العاجل عن حزمة 1.2 مليار دولار التي تعهدت بها مجموعة الاقتصادات الكبرى العشرين. وكانت واشنطن قد جمدت 10 مليارات دولار من أصول البنك المركزي الأفغاني بعد استيلاء طالبان على السلطة في 15 أغسطس/ آب الماضي.

ودعا سهيل شاهين، الممثل الدائم لأفغانستان لدى الأمم المتحدة والمتحدث السابق باسم طالبان، المجتمع الدولي في سلسلة تغريدات يوم الجمعة إلى تقديم حزمة مساعدات طارئة مع اقتراب أشهر الشتاء القارس. وقال شاهين: إنهم على استعداد للتعاون الكامل مع المنظمات المعنية؛ حيث يواجه المجتمع الدولي قراراً صعباً بشأن كيفية الوصول إلى شعب أفغانستان دون الاعتراف بحكومة طالبان.

ويعاني 18 مليون شخص شح الموارد اليومية، بينما تحاول منظمات إغاثة الوصول إلى نصف هذا العدد على الأقل. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى تقديم أكثر من 600 مليون دولار للأفغان في نداء عاجل، مشيراً إلى أن المنظمة لم تحصل سوى على نصف ذلك المبلغ.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة، قد حث المجتمع الدولي على المسارعة لإنقاذ أفغانستان في مؤتمر عقد في جنيف في سبتمبر/أيلول الماضي للدول المانحة؛ حيث قال: إنه يتعين على المجتمع الدولي أن يقدم على وجه السرعة، مساعدات إنسانية تكون «شريان حياة» لملايين الأفغان المستضعفين الذين ربما يواجهون أحلك الظروف وأكثرها خطورة.

طالبان تقدم تعهدات

إلا أن الصورة السلبية حول جماعة طالبان ربما تحول دون حماس الكثير من الدول المانحة لتقديم الدعم لشعب لا يجد نصف أفراده وجبة طعام واحدة في اليوم والليلة.

ولم ينفع التعهد الخطي المكتوب الذي تقدمت به الحركة لمنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارتن جريفيث، الذي اجتمع مع قادة الحركة في كابول؛ حيث حصل على تعهد منهم بتقديم الدعم لجهود الإغاثة الإنسانية، وضمان وصول المساعدات إلى الشعب الأفغاني.

وقد أشارت المفوضة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت في حديثها أمام مؤتمر جنيف إلى مدى اتساع الأزمة الإنسانية والاقتصادية في أفغانستان. وأكدت أن هذه الأزمة دخلت «مرحلة جديدة ومحفوفة بالمخاطر».

وتزيد حركة النزوح الداخلي من حجم الكارثة؛ حيث اضطر أكثر من ثلاثة ملايين أفغاني للنزوح من موطنهم الأصلي نتيجة العمليات العسكرية، ناهيك عن محاولات الهجرة خارج البلاد خوفاً من تعسف الحكومة الجديدة.

وتزداد المخاوف من أن يؤدي انهيار الخدمات والاقتصاد، الذي تم وصفه على أنه يمر بمرحلة خطر، إلى جانب زيادة العنف والتوتر، إلى زيادة حركة النزوح، داخلياً وخارجياً في وقت قريب.

ويرى المراقبون أن الاضطرابات السياسية والتقلبات المستمرة، إلى جانب تعليق التمويل من جانب المانحين الدوليين، أعاقت الوصول إلى الرعاية الصحية المنقذة من الموت، كما أن حدوث المزيد من التخفيضات في برامج دعم التعليم والخدمات الصحية والاجتماعية ستكون له عواقب وخيمة. وأكد المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، شو دونيو، الحاجة الملحة إلى حماية سبل العيش الريفية وتجنب النزوح الجماعي. ودعا إلى توفير التمويل لإنقاذ محصول القمح القادم في أفغانستان، والحفاظ على حياة الماشية، وتجنب حدوث مزيد من التدهور في أزمات البلاد الإنسانية الشديدة.

وتسعى «الفاو» للحصول على 36 مليون دولار لتسريع دعم المزارعين وضمان عدم تفويتهم موسم زراعة القمح الشتوي القادم. وسوف تقدم المنظمة مساعدات لنحو 3.5 مليون أفغاني يعتمدون على الزراعة كمصدر وحيد للدخل، حتى نهاية العام.

ربط الرغيف بالتأدب

وسط هذه الصورة تلعب دبلوماسية الأزمات دورها في كسب مربعات جديدة على شطرنج العلاقات الاستراتيجية في منطقة آسيا الوسطى التي باتت محور الصراع بين القوى العظمى، تغذيه التوترات بين بكين وواشنطن. وتحاول كل دولة جس نبض حركة طالبان والتقرب منها لكن بشروط. فقد أجرت الصين اتصالات مع قادة الحركة للوقوف على موقفها من عدد من القضايا الشائكة خاصة دعم الإيغور، وربطت زيادة الاستثمارات الصينية في أفغانستان بالمواقف التي تصدر عن الحكومة الجديدة خلال الفترة الحالية.

من جانبها استضافت روسيا مؤتمراً حول أفغانستان حضره ممثلون عن طالبان في مسعى لدرء مخاطر الحركات الإرهابية في جمهوريات آسيا الوسطى. ودعت روسيا إلى تقديم مساعدات دولية لدعم أفغانستان، وأبلغت فيه بوضوح أن اعتراف المجتمع الدولي مرهون بوفاء الحركة بتعهداتها.

وشاركت كل من باكستان والصين وإيران والهند في اجتماع موسكو. وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف: «نحن مقتنعون بأن الوقت قد حان لتعبئة موارد المجتمع الدولي لتزويد كابول بالدعم المالي الإنساني الفعّال، بما في ذلك الحيلولة دون حدوث أزمة إنسانية وتقليل تدفقات الهجرة».

وعشية المحادثات قال لافروف: إن موسكو تمتنع عن الاعتراف بطالبان إلى حين وفاء الحركة بالتعهدات التي قطعتها على نفسها حين تولت السلطة، ومن بينها أن تشتمل الحكومة الجديدة على مختلف الأطياف السياسية والعرقية.

وتكررت المطالب نفسها في المؤتمر الذي عقد في طهران لدول الجوار الأفغاني نهاية أكتوبر. وتؤكد مواقف جميع الدول المهتمة بالشأن الأفغاني على ربط الرغيف بالتزام حركة طالبان بتنفيذ ما تعهدت به، الأمر الذي يزيد من معاناة الشعب الأفغاني الذي لا يزال رهين صراعات مصالح الكبار منذ ثمانينات القرن الماضي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"