عادي
«النقل المدرسي» بحاجة إلى هيئة وطنية تديره وتراقب تشغيله

إهمال السائقين والمشرفات يحصد أرواح الطلبة

00:11 صباحا
قراءة 7 دقائق

تحقيق: محمد إبراهيم
حوادث الحافلات المدرسية، بصورها المتعددة، سواء كانت «دهساً أو تصادماً»، أو «نسيان طلبة» أو «حرائق»، دائماً ما تثير استياء المجتمع بمختلف فئاته، إذ تستفز مشاعر الجميع وتصل بعمق إلى الألم في النفوس.

في الأمس القريب شهد المجتمع واقعة وفاة طالبة خليجية عمرها 12 عاماً في منطقة الحميدية بعجمان، إذ دهسها سائق الحافلة، عقب نزولها من دون أن ينتبه، في دلالة واضحة على عدم كفاءته وتواضع تأهيله.

كم من الحوادث التي وقعت وذهب ضحيتها أطفال أبرياء، بسبب إهمال سائق وعدم تأهيل مشرفة؟ فقد قلّبت الحادثة مواجع كثيرة، عاناها المجتمع غي أوقات متفاوتة، فتذكرنا بحادثة الحافلة التي أصيب فيها 15 طالباً في حادث مروري، وقع بينها وبين صهريج مياه، على جسر معبر الخليج التجاري بدبي.

قبل أعوام قليلة، توفيت طالبة آسيوية من الروضة الأولى في إحدى المدارس الخاصة بأبوظبي، داخل الحافلة اختناقاً، وآخر عمره ستة أعوام، توفي منسياً في حافلة تابعة لمركز لتحفيظ القرآن، في منطقة القوز. وأثارت سلسلة حوادث حرائق الحافلات المدرسية التي عاشها المجتمع، منذ سنوات في مناطق مختلفة، مخاوف أولياء الأمور، ومختلف فئات المجتمع التعليمي، كذلك بسبب الإهمال وعدم كفاءة سائقي الحافلات ومشرفاتها وتأهيلهم، وجميعها تعد مؤشرات مقلقة، تثير تساؤلات شتى، وجدلاً واسعاً بين مختلف الفئات في المجتمع، لاسيما أن تلك الأخطاء يدفع ثمنها الأبناء، وضحاياها دائماً من الطلبة الأبرياء.

في وقت أكدت فئات مجتمعية مختلفة، أن النقل المدرسي بحاجة ماسة إلى هيئة وطنية، تراقبه عن كثب، وتتأكد من تأهيل السائقين والمشرفين، وتضع معايير موحدة لبناء برامج تأهيلية لهم، تنعكس إيجاباً على أدائهم، فضلاً عن اعتماد ضوابط وآليات جديدة لتعينهم، وقياس مدى قدراتهم على استيعاب مسؤولياتهم، والتزامهم بالقوانين التي تحكم الطرق.

وقالوا ل«الخليج»: إن الإهمال وعدم تأهيل السائقين ومشرفي الحافلات المدرسية، وتواضع الوعي وتدنّي التدريب، وراء استمرار حوادث الحافلات، لاسيما أن مخالفات بعضهم تتجاوز المعتاد، على الرغم أن قانون المرور منح السائقين جميع الحقوق، وجعل الأولوية للحافلات المدرسية.

«الخليج» تناقش مع المجتمع، أسباب تلك الحوادث، وكيفية تأهيل السائقين والمشرفين، وإلى أي مدى يستوعبون المهام الموكلة إليهم، وما أبرز المقترحات لإحكام القبضة على المخالفين لوقف تلك الحوادث، حفاظاً على أرواح أبنائنا، وحمايتهم خلال رحلتي الذهاب والإياب المدرسيتين يومياً.

إعادة ترتيب

البداية كانت مع أولياء الأمور محمد طه، وإيهاب زيادة، ومنى عبد السلام، ومها نجيب وميثا حمدان، إذ أكدوا أن النقل المدرسي في حاجة إلى إعادة ترتيب، وتوحيد المعايير لضمان سلامة الطلبة، فضلاً عن آليات جديدة للتطوير تحكم قبضتها على السلوكيات السلبية، التي تشهدها الحافلات، ومتابعة حثيثة، تكون ركيزتها الأساسية المسؤولية، وتعزيز أهدافها لحماية الأبناء.

وأفادوا بأن النقل المدرسي مازال يفتقر إلى معايير واضحة لإدارته، لاسيما في الجانب الخاص باختيار سائقي الحافلات والمشرفين، الذين نفتقر في بعض الأحيان لوجودهم من الأساس، موضحين أن تعدد صور حوادث الحافلات دلالة على أن هناك خللاً يحتاج إلى معالجة عاجلة، لاسيما أنه يشكل خطورة على أرواح الطلبة في رحلتهم ذهاباً وإياباً.

وقالوا إن المسؤولية تقع على عاتق الجهات المعنية، بالإشراف على تلك الخدمات، إذ يفترض أن تركز على تذليل الصعوبات والعمل على تأمين تنقل الطلبة، إلى المؤسسات التربوية، وعودتهم بما يحفظ سلامتهم وأمنهم، والحرص على تجنب الاكتظاظ، وإيجاد مناخ أكثر أريحية.

نسيان الأطفال

لم تقتصر مشكلات الحافلات على حوادث الدهس والتصادم والحريق والمرور، فحسب، ولكن ظاهرة نسيان الأطفال داخلها أيضاً، يعدّ خللاً جسيماً في تأهيل المشرفين والمشرفات، إذ يعدّها أولياء الأمور عبد العزيز منصور، ومجد عرفان، وسلمى عزمي، وناصر الزرعوني، جرائم في حق الإنسانية، وتستحق تشديد العقوبة، حفاظاً على أرواح الأبناء في رحلتهم لتلقي العلم. مؤكدين أن عدم انتباه السائق أو مشرف الحافلة إلى وجود أطفال داخلها، سلوك غير مسؤول، يتطلب وقفة جادة من مختلف الجهات المعنية، لتأهيل من يحملون أبناءنا، ونستأمنهم على فلذات أكبادنا.

أما حسن علي، وحمدان آل علي، وحمد البلوشي، ولطيفة المازن، فطالبوا بضرورة وضع معايير جديدة تواكب احتياجات الطلبة مستخدمي الحافلات المدرسية، والتدقيق بعناية والتشديد في إجراءات تعيين المشرفين والمشرفات الراغبين في العمل بالحافلات، فضلاً عن تحديد مواصفات خاصة للسائقين الذين يحملون الطلبة ذهاباً وإياباً، بحيث يكون لديهم الوعي الكافي بكيفية المحافظة على أرواح الطلبة، والتعامل مع مشكلاتهم في حال أغفلها المشرف أو المشرفة.

اعترافات مقلقة

في وقفة مع عدد من مشرفات الحافلات المدرسية (فضلن عدم ذكر أسمائهن)، حصلت «الخليج» على اعترافات جديدة مقلقة، إذ أكدن أن العمالة في الحافلات من السائقين أو المشرفين، بحاجة إلى برامج تأهيلية مستدامة، للتعرف إلى سبل متابعة الطلبة والرقابة والإشراف عليهم، بما يواكب احتياجاتهم المتغيرة، لاسيما أن هناك سائقين غير متفرّغين، ومشرفات غير مؤهّلات، ويعتمدن في عملهن على خبراتهن الحياتية.

وأشرن إلى ضرورة تشديد الرقابة على الجهات الخاصة التي تعمل في تشغيل النقل المدرسي، لاسيما عقب ظهور قصور مشين في أداء السائقين والمشرفات والمشرفين؛ فهناك مدارس لديها حافلاتها الخاصة، وهنا تتحمل الإدارات مسؤولية الإخفاق في اختيارهم، ويقابل ذلك مدارس تستعين بشركات خاصة لتوفير الحافلات والسائقين والمشرفين.

وأوضحن أن هناك مدارس تسند مهام أخرى إلى مشرفات الحافلات، تختلف تماماً عن واجباتهن في النقل المدرسي، ما يؤدي إلى انشغال بعضهن وعدم قدرتهن على مرافقة الحافلة، والوفاء بالتزامهن نحو الطلبة، وفي معظم الأحيان يضطر السائق إلى الانطلاق من دون مشرفة، ليؤدي جميع المهام «القيادة وركوب وإنزال الطلبة».

رقابة مستمرة

النقل المدرسي في بعض المدارس، يحتاج إلى الرقابة المستمرة، لضبط إيقاع عمل السائقين والمشرفين، لاسيما أن بعضهم، لم يعِ قوانين السير، أو التعامل مع حالات الطوارئ، ما يهدد حياة الطلبة في رحلتي الذهاب والعودة، هذا ما أكده التربويون وليد فؤاد لافي، ووفاء الباشا، وخلود فهمي، ورحاب الجزايرلي.

وأوضحوا أن مسؤولية نقل الطلبة بأمن وسلامة، لا تقتصر على شخص بعينه، ولكنها مسؤولية تجمع تحت مظلتها إدارات ومراكز وشركات وجهات معنية بالإشراف عليها، فالجميع هنا يُسألون عن أمن الأبناء وسلامتهم صعوداً ونزولاً، وذهاباً وإياباً.

تحرك حقيقي

وأكدوا أنه ليس من الضروري أن يكون لدينا متسبب لنحاسبه، ولكن الأهم أن تكون هناك إجراءات وتحرك حقيقي، لكبح تلك النوعية من الحوداث، فضلاً عن تشديد العقوبات، لوقف فوضى الإهمال لدى بعضهم، مع توفير برامج تدريبية وتأهيلية جادة، لتمكين جميع العاملين في قطاع النقل المدرسي، الذين يحملون فلذات أكبادنا من مكان إلى آخر.

وأفادوا بأن النقل المدرسي يعاني عدم الانضباط منذ سنوات، وهذا يضع القائمين عليه في قفص الاتهام، إذ إن الشركات القائمة على تقديم خدمات النقل المدرسي، ليست على دراية بضوابط حافلات المدارس واحتياجاتها، وغياب الدقة في اختيار السائقين والمشرفين الذين تقع على عواتقهم المحافظة على أرواح الطلبة.

واكدوا أهمية توفير برامج متخصصة، لتأهيل تلك الفئات، حتى لو كانت تعمل في شركات خاصة، على أن تكون فعالة وتتّسم بالشفافية في اعتمادهم للعمل بتلك الوظائف، وليست حبراً على ورق، لاسيما أن التأكد من تأهيلهم وتدريبهم يطمئن النفوس ويحافظ على أروح الأبناء.

مقترحات مهمة

يرى الخبير التربوي الدكتور وافي الحاج، أن إدارات المدارس مهما تكن قدرتها، فهي غير مؤهلة لإدارة الحافلات ونقل الطلبة، والدليل جلي في تكرار الحوادث التي تأتينا عاماً بعد الآخر، وهذا أوجد ضرورة وجود جهة رقابية، يعمل تحت مظلتها النقل المدرسي في الدولة، سواء كان «حكومياً أو خاصاً»، فضلاً عن الارتقاء بمعايير اختيار السائقين والمشرفين، بما يضمن قدراتهم على المحافظة على الطلبة، وحمايتهم عند وجود حالات طوارئ، خلال وجود الأبناء في الحافلة. وأكد أهمية وجود كاميرات مراقبة لمتابعة رحلات الحافلات كافة في المدارس الحكومية والخاصة، فضلاً عن أهمية تدريب السائقين، والتنبيه عليهم وعلى المشرفات بإجراءات الأمن والسلامة. موضحاً ضرورة عمل جميع الحافلات تحت مظلة معايير موحدة، وتشرف عليها جهة معنية واحدة، مادام الأمر يتعلق بطلاب العلم.

مهنة مختلفة

وقالت غاية عيسى، أخصائية علم النفس، إن مهنة سائق الحافلة تختلف جملة وتفصيلاً عن الوظائف الأخرى، لاسيما أنه يحمل معه أبناءنا الطلبة، الذين لا يقدرون بثمن، لذا ينبغي أن يكون سائق الحافلة والمشرف، «فطنين»، يستطيعان التعامل مع الأبناء أثناء القيادة، ويعاملانهم بلياقة، حفاظاً على سلامتهم. ولخصت أهم إجراءات جاهزية السائقين، في خضوعهم للتدريب قبل تولي المهام والانطلاق بالرحلات، وضرورة لياقتهم بدنياً وصحياً، والقدرة على إعداد الحافلة المدرسية للرحلة، وإدارة الوقت وفق جدولة زمنية ومخطط للمسارات، ويعون محتوى عملية نقل الطلبة.

الأمن والسلامة

في خطوة لتعزيز مستويات الأمن والسلامة في منظومة خدمات النقل المدرسي للطلبة، وفق أرقى المستويات وأعلى المعايير العالمية، التي تسهم في الحدّ من حوادث الحافلات، اعتمدت وزارة التربية والتعليم ومواصلات الإمارات أخيراً، تركيب المنظومة الذكية لسلامة الطلبة في جميع الحافلات، التي تقدم خدمات النقل اليومي لجميع المراحل التعليمية، وتهدف إلى إلغاء احتمالات الخطأ البشري، ومنع وقوع حالات نسيان للطلبة.

ابتكارات غير مستغلة

الوقائع تأخذنا إلى تساؤلات كثيرة، أبرزها: لماذا لا تستفيد الجهات المعنية من الابتكارات الخاصة بالنقل المدرسي؟ فهناك أربع طالبات يدرسن هندسة الإلكترونيات في كليات التقنية العليا بالشارقة، ابتكرن نظاماً ذكياً للحافلات المدرسية، يجعلها أكثر أماناً للطلبة والسائقين، ويمنع نسيان الطلبة في الحافلات، ويقلل نسب الحوادث بأنواعها، ويتمتع بخصائص نوعية للسلامة، مثل التحكم في باب الحافلة ببصمة الصوت، والتأكد من عدم نسيان أي طالب، بعد نزول جميع الطلاب وإغلاق محرك الحافلة.

وهناك الطالب سبيل بن بشير، الذي ابتكر نظاماً فريداً، يتألف من مستشعرات اصطناعية متعددة الوظائف لفتح الأبواب، وإرسال تنبيهات لمسؤول المدرسة أو مسؤول قسم النقل، بوجود أحياء في الحافلة وبأن السائق قد غفل عن أحد الطلبة.

7 مواصفات

أفادت هيئات متخصصة في الوقاية والسلامة، بأن هناك 7 مواصفات لمشرفات الحافلات المدرسية، تضم إدارة سلوك الطلاب عبر الاتصال اللفظي والبدني، وقدرتهن على الاستفادة من الأدوات المتاحة في الحافلات، والإشراف على صعود الطلاب ونزولهم باحترافية، وقدرتهن على إخلاء الحافلات في حالات الطوارئ القصوى، والقدرة على التعامل مع الطلاب من أصحاب الهمم، والتعامل مع أولياء أمور الطلبة وإدارة المدرسة، والتشديد على الالتزام بالإجراءات والضوابط في الحافلة.

مشكلة الاختلاط

عبر أولياء أمور عن استيائهم من «الاختلاط» في الحافلات، سواء اختلاط الطلبة والطالبات، أو اختلاط طلبة الصفوف العليا والصغار، إذ يتسب ذلك في وجود سلوكيات غير لائقة من الطلبة بحق الطالبات، فضلاً عن المشاجرات والمواقف المختلفة، والألفاظ النابية، وجميعها مظاهر سلبية تخرج في معظم الأحيان عن سيطرة المشرف أو المشرفة وبالتأكيد سائق الحافلة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"